•سقوط الحق العام بالتنازل والصلح.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد:

•سقوط الحق العام بالتنازل والصلح.

•التفريق بين العفو الخاص كسبب لإنهاء إجراءات الدعوى الجزائية والعفو الخاص عن العقوبة وعفو المدعي بالحق الشخصي

د. عمر يحيى كزابه

يثور التساؤل عن سقوط الحق العام بالتنازل والتصالح بين الأطراف في القضية الجزائية وللإجابة - بعون الله وتوفيقه- يمكن القول إن: الحق العام المتمثل في العقوبة يسقط بصدور تنازل من المجني عليه أو بالصلح بينه وبين المتهم استثناءً وفي أحوالٍ محددةٍ حصراً، فقد نص المشرع اليمني عليهما في المادتين(31،301) أ.ج، وعَّبر عنهما بمسمى العفو الخاص في الفقرة (و) من المادة( 42) أ.ج، وغني عن البيان أن النص عليهما في قانون الإجراءات الجزائية يشير –بوضوحٍ- إلى أن لهما أثر إجرائي على الدعوى الجزائية- التي تعد ظاهرة إجرائية- وتوضيح ذلك كما يلي:
من المقرر قانوناً: أن التنازل ينصب على جرائم الشكوى المنصوص عليها في المادة (27) إجراءات وعلى جرائم الطلب أيضاً، بينما ينصب الصلح الوارد في قانون الإجراءات الجزائية– أي الذي له أثر إجرائي - على الجرائم المعاقب عليها بالأرش والغرامة فقط، واعتبرهما المشرع اليمني عفواً خاصاً، ورتب على صدوره -بصورتيه- إنهاء إجراءات الدعوى الجزائية، وبإنهاء هذه الدعوى وهي الوسيلة الوحيدة لتقرير العقوبة كحقٍ عامٍ يستحيل- قانوناً- الحكم بها، فهنا يسقط الحق العام لسقوط وسيلة المطالبة لانقضائها بصدور عفو خاص سواء كان تنازلاً أو صلحاً.

 ومما يجب ذكره أن: الصلح بين الأطراف أو التنازل من أحدهما جائزٌ في الجرائم المعاقب عليها بالقصاص والدية، وفي هذه الأحوال ينصب التنازل والصلح على العقوبتين المذكورتين كونهما حقاً شخصياً؛ ونظراً لتعلقهما بالعقوبة وهي ذات طبيعةٍ موضوعية -وليست إجرائية- فقد أورد المشرع اليمني أحكام العفو والصلح المتعلقة بالقصاص والدية في القانون الجنائي الموضوعي (قانون الجرائم والعقوبات)، وقد أحسن صنعاً؛ كون صدور التنازل أو إجراء الصلح بين المجني عليه أو ولي الدم وبين المتهم عن عقوبتي القصاص والدية يتحدد أثرهما في هاتين العقوبتين فقط فيسقطان بهما ولا يسقط الحق العام، ومما يلاحظ أن المشرع لم يشر للعفو والصلح في جرائم القصاص والدية في قانون الإجراءات الجزائية، ومفاد ذلك انتفاء أي أثرٍ إجرائي لهما، ونتيجةً لذلك فإن صدور أي منهما لا ينهي الدعوى الجزائية، ونتيجة لذلك يتعين على المحكمة حال سقوط عقوبة القصاص أو الدية -بالتنازل عنها أو الصلح بشأنها - أن تستمر في إجراءات نظر الدعوى الجزائية وتحكم بالحق العام، فلا يسقط بهما.

 ومما يحسن ذكره في هذا الموضوع التفريق بين العفو الخاص الذي يسقط الحق العام وبين أنواع العفو الأخرى التي ذكرها المشرع اليمني، وذلك كما يلي:

أولاً: تمييز العفو الخاص المسقط للحق العام عن عفو المدعي بالحق الشخصي عن عقوبتي القصاص والدية: يختلف العفو الخاص المسقط للحق العام ( العفو في نطاق الدعوى الجزائية) عن عفو المجني عليه – أو ورثته - في نطاق قانون الجرائم والعقوبات من حيث مجاله وأثره، وبيان ذلك: أن العفو في نطاق قانون الجرائم والعقوبات ينصب على عقوبات القصاص والدية والأرش، ويترتب عليه سقوطها، فهو عفوٌ عن العقوبة المقررة حقًا للفرد، وقد يصدر من ولي الدم في حالة القتل، وصدوره لا ينهي الدعوى الجزائية، ولا يوقف إجراءاتها، بل إنها تستمر ليُحكم بالحق العام، بينما العفو الخاص في نطاق الدعوى الجزائية يقتصر على جرائم الشكوى أو الطلب أو الجرائم المعاقب عليها بالأرش، ويترتب على صدوره إيقاف سير الدعوى الجزائية، ومن ثم يسقط بصوره الحق العام، ويصدر عن المجني عليه و من حكمه.

ثانيا: تمييز العفو الخاص المسقط للحق العام عن العفو الخاص عن العقوبة: يتميز العفو الخاص المنهي للدعوى الجزائية عن العفو الخاص عن العقوبة -المذكور في الفقرة الثانية من المادة (539) إجراءات - من حيث وقت صدوره: فالعفو الخاص في مجال الدعوى الجزائية يصدر أثناء سير إجراءاتها أو قبل تحريكها، بينما العفو الخاص عن العقوبة لا يتصور صدوره إلا بعد انقضاء الدعوى الجزائية بصدور حكمٍ باتٍ، ويصدر عن رئيس الجمهورية بخلاف العفو الخاص عن الدعوى الجزائية فهو يصدر عن المجني عليه أو من في حكمه، ويترتب على صدوره إسقاط العقوبة المحكوم بها أو تخفيفها أو استبدالها، بينما يترتب على صدور العفو الخاص في مجال الدعوى الجزائية إنهاء إجراءاتها في أي مرحلةٍ كانت عليها، وإذا صدر قبل تحريكها فيمتنع تحريكها، ومن تسقط العقوبة لتعذر الحكم بها.

ويمكن القول: إن العفو الخاص عن العقوبة هو عفوٌ عن العقوبة كحق للمجتمع، بينما العفو الخاص في نطاق الدعوى الجزائية محله هذه الدعوى ذاتها كحق إجرائي.

الأحوال التي يكون فيها للعفو الخاص أثر في سقوط الحق العام

 منع المُشرِّع اليمني النيابة العامة من استعمال الحق في الدعوى الجزائية المتعلقة ببعض الجرائم إلا بناءً على إرادة المجني عليه وبعد تقديم طلبٍ يدل على رغبته في تحريك الدعوى أو رفعها، وعدم رغبته في رفع الدعوى الجزائية مفترضةٌ طالما لم يتقدم بشكوى أو طلبٍ، ففي هذه الأحوال المحددة يكون للعفو الصادر عن المجني عليه أثره في الدعوى الجزائية وترتيبًا على ذلك: فإن عفى المجني عليه عن المتهم بأن أظهر رغبته في عدم اتخاذ الإجراءات لمحاكمته، أو لم يبدِ رغبةً صريحةً بذلك، وإنما فُسر سكوته بأنه قد عفى عن المتهم، فلا يجوز للنيابة العامة تحريك الدعوى الجزائية أو رفعها لصدور عفو من المجني عليه، وإن رفعت تعين إنهاء إجراءاتها، ومن ثم استحال الحكم بإدانة المتهم والقضاء بمعاقبته، وهنا يسقط الحق العام عنه. وهذا رأي متواضع، والله أعلم بالصواب.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.