#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
بسم الله الرحمن الرحيم
د. عمر يحيى كُــــزابه
•يعاقب بالإعدام قصاصاً من قتل نفساً معصومة عمداً، ويشترط للحكم به توافر دليله الشرعي، وطلبه من ولي الدم.
•يعزر بالحبس (الوجوبي) في حال اقتناع المحكمة بثبوت جريمة القتل العمد بالقرائن، نظراً لعدم توافر الدليل الشرعي.
•يعزر بعقوبة الإعدام ( هذه العقوبة أمر جوازي) ويُحكم به في حال اقتران جريمة القتل العمد بظرف مشدد.
ويفهم من ذلك أن ِالعقوبة الأصلية للقتل العمد هي الإعدام قصاصاً، وقد اشترط المشرع اليمني للحكم بها توافر الدليل الشرعي لإثبات ارتكاب المحكوم عليه بالإعدام (قصاصاً) جريمة قتل شخص معصوم الدم عمداً.
وما ينبغي الإشارة إليه هنا أن المشرع العقابي قد أشار – فقط- في نص المادة (234) عقوبات إلى الدليل الشرعي كشرط للحكم بالإعدام قصاصاً دون تحديده أو بيان ماهيته، لأن تحديد الدليل الشرعي الواجب توافره لإثبات جريمة القتل العمد يختص به القانون المتعلق بالأدلة أي قانون الإثبات الشرعي، وبالرجوع إليه يتبين مما نصت عليه المادة (45/2) إثبات أن: الدليل الشرعي الذي تثبت به جريمة القتل العمد – كشرط للحكم بالإعدام قصاصاً - يتمثل في: شهادة رؤية من عدلين وكذلك إقرار صريح من المحكوم عليه، وعلى ذلك جرت أحكام المحكمة العليا.
وقد أفصح المشرع الجزائي عما يصار إليه في حال انتفاء توافر هذا الدليل الشرعي الموجب للقصاص وتوافرت عدد من القرائن التي جعلت القاضي على قناعة تامة بثبوت جريمة القتل العمد في حق المتهم ؛ إذ نصَّ - في الفقرة الثانية من المادة (٢٣٤) عقوبات - على أن يعزر الجاني بالحبس وجوباً (مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات)، وفي ذلك إشارة إلى إجازة إثبات جريمة القتل العمد بالقرائن، باعتبارها أحد أدلة الدعوى الجزائية الناشئة عن جريمة القتل العمد وفقاً لنص المادة (323) أ.ج، وإن كانت لا تعد دليلاً كاملاً في قضايا القصاص والحدود، بل تكون أحد الأدلة المتساندة.
وغني عن البيان: أنه لا يُصار إلى إثبات جريمة القتل العمد بالقرائن إلا في حالة عدم توافر دليل ثبوتها الكامل( شهادة عدلين أو الإقرار الصريح)، أي في حالة عدم توافر شرط الحكم بالإعدام قصاصاً ومن ثم سقوطه
بغير عفو ممن له الحق في طلبه ( ولي الدم)، ومفاد ما تقدم أنه: في حالة ثبوت جريمة القتل العمد بالقرائن فقد أوجب المشرع تعزير الجاني بالحبس في الحق العام (بالإضافة إلى عقوبة الدية العمدية البديلة).
والملفت أن المشرع قد قرر في الفقرة الثالثة من المادة (٢٣٤) عقوبات حكماً آخر: حينما أجاز للمحكمة التي تنظر الدعوى الجزائية المرفوعة إليها عن جريمة القتل العمد أن تحكم بإعدام المتهم تعزيراً وإن عفى ولي الدم وأسقط عنه القصاص إذا رأت أنه يستحق التشديد عليه لاقتران ارتكابه جريمة القتل العمد بظرف مشدد، وجعل ذلك أمراً جوازياً للقاضي الجنائي، وبذلك فإن عقوبة التعزير بالإعدام في هذه الحالة تختلف – قليلاً- عن عقوبة الحبس تعزيراً في حالة ثبوت ارتكابه لجريمة القتل العمد بالقرائن المقررة في الفقرة الثانية من المادة نفسها- المادة (٢٣٤) عقوبات- كون الأخيرة واجبة؛ وتعليل كونها واجبة أن عقوبة الإعدام قصاصاً قد سقطت عن المتهم لعدم توافر الدليل الشرعي للحكم بها، ولا يصح أن يفلت من العقاب وقد ثبتت ضده جريمة القتل العمد بالقرائن.
ولما كانت عقوبة الإعدام تعزيراً في جريمة القتل العمد جوازية فإنها تندرج في السلطة التقديرية
للقاضي الجنائي حال تقديره العقوبة التي يستحقها القاتل العامد بالنظر إلى ظروف ارتكاب الجريمة ونتائجها الجسيمة ومساسها بأحد مصالح المجتمع العليا وحالة المتهم الجنائية وماضيه الإجرامي.
واستلزام توافر ظرف من الظروف المشددة التي رأى المشرع -ومن بعده القاضي- أن المتهم يستحق معه تشديد العقوبة وتناسبه عقوبة الإعدام لبشاعة جريمته وعظم ضررها، وفي ذلك دلالة على أن المشرع اليمني قد أجاز للمحكمة أن تجمع في حكمها على القاتل العامد - إذا اقترنت جريمته بظرفٍ مشددٍ يدل على خبثه وخطورته- بين حق ولي الدم في القصاص الذي ثبت بدليله الشرعي وبين حق المحكمة في تشديد العقاب عليه في عقوبة واحدة يكون لها وصفان هي: الإعدام قصاصاً وتعزيراً، ومن ثم يكون لها في هذه الحالة الحكم بالإعدام تعزيراً إذا أسقط ولي الدم حقه في القصاص بالعفو.
ولما سبق القول: إن المشرع قد قرر في الفقرة الثانية من المادة (234) عقوبات أنه في حالة توافر القرائن التي اقتنعت بها المحكمة في ثبوت جريمة القتل العمد ضد المتهم تحكم بإدانته ومعاقبته بعقوبة الحبس وجوباً! فهنا نضع تساؤلاً مهماً هو: هل يجوز للمحكمة أن تستند على ذات القرائن وتحكم بتعزيره بالإعدام؟ وهل سيناقض المشرع نفسه في الفقرة الثالثة بأن يجيز للمحكمة أن تحكم بالإعدام تعزيراً استناداً على ذات القرائن؟
وفي صدد محاولة الإجابة عن التساؤل المطروح أجد أنه من المهم الإشارة إلى أن المشرع - في الفقرة الثالثة - قد تحدث عن حق المحكمة في التعزير (الجوازي) فحسب بقوله: "ويجوز أن يصل التعزير إلى الحكم بالإعدام إذا كان الجاني معروفاً بالشر .....حتى ولو سقط القصاص بالعفو"، وهذا أقصى ما تناوله؛ إذ البين أن المشرع لم يحدد فيها دليلاً معيناً للحكم بالإعدام تعزيراً؛ وهذا أمر قد يكون طبيعياً في صياغة النصوص؛ لأن تحديد نوع الدليل وقدر حجيته وأحوال وجوب توافره لا يختص به النص العقابي، فهو ليس محلاً لتحديد الدليل؛ لأن تحديده ستتولاه نصوص قانون الاثبات، ولذلك حين قال المشرع في بداية المادة توافر دليله الشرعي لم يبين ماهيته وإنما ذكره مجرد إشارة باعتباره شرط لعقوبة الاعدام قصاصاً واكتفى!!!
ومن الجدير بالذكر: أن الفقرة الثالثة المتعلقة بجواز الحكم بالإعدام تعزيراً قد عالجت وضعاً مختلفاً وتضمنت حكماً مغايراً عن سابقتها، ومن ثم ينبغي أن تُقرأ مستقلةً وغير مرتبطة بما قررته الفقرة الثانية المتعلقة بعقوبة الحبس الوجوبي وسند الحكم بها (القرائن)؛ لأنها غير مبنية على ما تضمنته الفقرة الثانية ولا مرتبطة بها باعتقادي ولا تقرأن معاً كمرتبطتين، وعلى خلاف ذلك يرى البعض بوجود ارتباط بين الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (234) عقوبات فيقرأهما معاً مما دفعه للقول: بجواز الحكم بالإعدام تعزيراً بناءً على توافر القرائن؛ ويؤيده في ذلك اتجاه في القضاء اليمني: إذ قضى في بعض أحكامه بالإعدام تعزيراً على المتهم بالقتل استناداً إلى القرائن؛ معللاً لقضائه بعدم توافر الدليل الشرعي الكافي للحكم بالقصاص، وتوافر القرائن التي اقتنعت بكفايتها في إدانة المتهم وتعزيره بالإعدام.
وأعتقد أن هذا الرأي: مناقض لاشتراط المشرع للحكم بالإعدام قصاصاً توافر دليله الشرعي ويناقض الفقرة الثانية التي جعلت من توافر القرائن المقنعة بثبوت جريمة القتل العمد موجباً لتعزير القاتل بالحبس فقط، إضافة لذلك ان المشرع اليمني قد جعل المشرع عقوبة الإعدام جوازية؛ كونها تصدر مقترنةً بعقوبة الإعدام قصاصاً أو أن الجاني كان مستحقاً لها إلا أنها سقطت بعفو من ولي الدم؛ نظراً لثبوت جريمة القتل العمد بالدليل الشرعي واقترانها بظرف مشددٍ في حين أن عقوبة التعزير بالحبس تكون وجوبية؛ كونها الحكم بها يكون في حالة عدم إمكان الحكم بالقصاص أو مقترنة بالدية العمدية وهي عقوبة أخف بطبيعة الحال.
ويؤيد الرأي الذي نميل إليه الأسانيد الآتية:
أن المشرع حينما بيَّن الأحوال التي أجاز معها الحكم بالإعدام تعزيراً ختمها بقوله: (حتى ولو سقط القصاص
بالعفو) ويفهم من هذه العبارة أن حق القصاص كان مستحقاً في الأحوال المذكورة فأسقط بالعفو فقط، والعفو لن يكون إلا عن حق ثابت ومستحق، وما أفهمه من العبارة المذكورة: وقوع جريمة قتلٍ عمدٍ مقترنةً بظرف مشدد وثبت موجب القصاص على الجاني وإلى جانبه توافر ظرفٌ يستدعي التشديد في العقاب فأُسقط القصاص بالعفو وبقي سبب الاعدام تعزيراً فيحق للمحكمة الحكم بالإعدام تعزيرا (حتى ولو سقط القصاص بالعفو)، ويعزز ذلك ويؤكده ما نصت عليه المادة التالية للفقرة الثالثة أي المادة (235) عقوبات التي وردت تحت عنوان: (التعزير عند عفو ولي الدم) ونصت على أنه: (إذا عفى ولي الدم - مطلقاً أو مجاناً أو بشرط الدية - جاز للمحكمة تعزير الجاني بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات ويجوز أن تصل العقوبة إلى الإعدام في هذه الحالة إذا توافر مع القتل أحد الظروف الواردة في الفقرة الثالثة من المادة السابقة، ومفاد ذلك أن الإعدام تعزيراً هو أحد العقوبتين التي يجوز للمحكمة توقيعها في حالة عفو ولي الدم عن حق القصاص من الجاني الذي ثبتت ضده جريمة القتل العمد، وكان مستحقاً أن يقتص منه بمثل ما فعل بقتله قصاصاً إلا أنه عُفى عنه، والمعلوم أن العفو عن حق القصاص لا يتصور إلا بعد ثبوته، وثبوته يفترض توافر دليله الشرعي؛ لأن انتفاء توافره يوجب التعزير بالحبس كما تقدم.
أن عقوبة الاعدام هي أقسى عقوبة؛ لذلك فقد تشددت أحكام الشريعة الإسلامية في الحكم بها على المتهم بالجريمة، احتياطاً في الدماء؛ فإذا كانت عقوبة الإعدام حداً يشترط للحكم به أن يكون دليل ثبوت الجريمة الحدية المعاقب عليها بالإعدام قاطعاً خالياً من أي شبهةٍ؛ لأن الحد يسقط بالشبهة المتعلقة بالدليل، وإن كانت عقوبة الإعدام قصاصاً يشترط للحكم به توافر دليله الشرعي وهو: شهادة عدلين (دليل مكتمل النصاب) أو إقرار صريح، والعقوبة في أحوال القصاص مقررة للعباد فتقتضي التشدد وعدم التهاون فيها... فهل سيتساهل المشرع في الدليل الموجب لعقوبة الاعدام تعزيراً الموكلة لولي الأمر؟؟!
أن القرائن القضائية لا تعد دليلاً كاملاً في إثبات مسائل الدماء والعقوبات المترتبة عليها، ويفهم ذلك – بمفهوم المخالفة - من نص المادة (157) إثبات التي أجاز المشرع اليمني بموجبها " للمحكمة أن تأخذ بالقرينة القضائية التي تستنبطها من وقائع الحال في القضية التي تنظرها وأن تعتبرها دليلاً كاملاً في الأحوال التي يجوز فيها ذلك وهي الأموال والحقوق"، والحكم بالإعدام تعزيراً على ثبت ارتكابه لجريمة القتل العمد استناداً إلى القرائن القضائية يعد مخالفة للنص المذكور.
أنه لوحظ في أحكام القضاء التي قضت بإعدام الجاني تعزيراً لإدانته بجريمة القتل العمد أنها قد أغفلت دعوى أولياء الدم المتعلقة بالحق الشخصي، فكيف ستحكم لهم بالدية العمدية والمدان سيعدم؟!! مع أن عقوبة الإعدام تعزيراً المحكوم بها تخص ولي الأمر فهي حق له، ولا تتعلق بالحق الشخصي لأولياء الدم، أي أن الحكم بالإعدام تعزيراً – وهو عقوبة تعزيرية تمثل الحق العام - تضطر معه المحكمة إلى عدم الفصل في دعوى أولياء الدم فلا تحكم بالدية لسقوط حقهم في القصاص بغير عفو منهم؛ لأن المحكوم عليه بنظر المحكمة ستزهق روحه فلم يحكموا عليه بدية عمدية، رغم أن الحق الغالب في جرائم القتل لولي الدم، وهذا نراه في الأحكام الصادرة بالإعدام تعزيراً ، وهنا تثور مشكلة عملية تتمثل في: حال أن المحكمة اكتفت بإعدام القاتل تعزيراً دون الحكم بالدية - وهذا واقع في الأحكام التي قضت بالإعدام تعزيراً- ثم عفا ولي الأمر عن عقوبة التعزير؛ كونها حقاً له وذلك أمر وارد وجائز قانوناً أيضاً؛ إذ من المتصور صدور قرر من رئيس الدولة بالعفو الخاص عن المحكوم عليه بعقوبة الإعدام تعزيراً، فما مصير حق أولياء الدم المدعين بالحق الشخصي ضد من قتل مؤرثهم؟ فلا قصاص ولا دية !!!
ولا يمكن القول هنا: أن عقوبة الإعدام تعزيراً قد استغرقت عقوبة الإعدام قصاصاً كما هو الحال في عقوبة الإعدام حداً، إذ في هذه الأخيرة يمكن القول بأن الاعدام حداً قد استغرقت عقوبة الاعدام قصاصاً وهي حق لأولياء؛ كونها أشد منها، ومن جانب آخر : فإن الحكم بعقوبة الاعدام حداً لا يخل بحق ولي الدم في الدية والأرش طبقاً لما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة (307) عقوبات، أضف إلى ذلك أن عقوبة الإعدام حداً بسبب جريمة قتل عمد وقعت على سبيل الحرابة مثلاً لا يمكن معها سقوط عقوبة الإعدام عن الجاني القاتل؛ لأنه لا يجوز العفو فيها بتاتاً طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام القانون العقابي اليمني التي قررت أنه: لا يجوز لرئيس الجمهورية إسقاط عقوبة الحد إذا تعلق بها حق لآدمي كعقوبة الاعدام حداً في الحرابة التي نتج عنها قتل شخص عمداً، كما أن الاعفاء من عقوبة حد الحرابة لتوبة المحارب قبل القدرة عليه والمقترنة بالقتل العمد والمعاقب عليها بالإعدام حداً لا يخل بحق ولي الدم في القصاص أو الدية أو الأرش وفقاً لصريح نص المادة (309) عقوبات.
الخلاصة: مما تقدم نخلص إلى:
أن الحكم على القاتل العامد بعقوبة الإعدام تعزيراً تفترض توافر الدليل الشرعي الذي يثبت ارتكاب المحكوم عليه لجريمة القتل العمد العدوان بكافة عناصرها القانونية وثبوت اقتران ارتكابها بظرف مشدد من الظروف المذكورة في الفقرة الأخيرة من المادة (234) عقوبات.
وهذه وجهة نظر أسال الله أن تكون قد صادفت الصواب ،،، والحمد لله رب العالمين
7/ إبريل/ 2025م
لتحميل المقال بصيغة PDF، اضغط هنا ⬇️