أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️لا تقبل دعوى الغاء القرار الإداري أو الطعن في القرار إذا كان القرار الإداري غير مؤثر في مركز المدعي أو الطاعن في القرار الإداري، ومعنى تأثير القرار الإداري في المركز القانوني للطاعن أو المدعي : انه يترتب على القرار الإداري تعديل أو الغاء المركز القانوني للمدعي أو الطاعن في القرار الإداري كأن يترتب على القرار الإداري فصل الموظف أو تحفيض درجته أو راتبه أو نقله تعسفيا إلى وظيفة أخرى أو الغاء اي من البدلات التي منحت له، اما إذا لم يترتب على القرار التأثير على المركز القانوني للمدعي كأن يتضمن القرار إثبات حالة الموظف أو مركزه القانوني كقرار التوصيف للأعمال التي يقوم بها الموظف بالفعل أو قرار اعتماد الهيكل التنظيمي للقطاعات والإدارات والأقسام الذي يبين المكانة الفعلية للوظيفة التي يشغلها الموظف المدعى وغير ذلك من القرارات التي لايترنب عليها الإضرار بحقوق ومصالح الموظف أو حرمانه منها فلايجوز للموظف في الحالة الطعن والمطالبة بالغائها ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة الإدارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-1-2017م، الذي ورد ضمن أسبابه: ((حيث أنه من المعلوم أن دعوى الإلغاء لا تقبل إلا إذا كان القرار الإداري مؤثراً في المركز القانوني لمدعي الإلغاء ومن شأنه إلحاق الضرر بالمدعي ، وأن يكون القرار مولداً للآثار القانونية بذاته، ولما كان قرار رفض التظلم محل الدعوى ليس من شأنه إنشاء أو إلغاء أو تعديل المركز القانوني لمدعي الإلغاء، حيث انه من الثابت أن المركز القانوني للمدعي لم يتغير بل ظل كما كان عليه الحال قبل صدور القرار برفض تظلمه، وحيث أن قرار رفض التظلم لا يعدُو عن كونه مجرد تأييد وتأكيد لصحة القرار المتظلم منه، ولذلك فإن قرار رفض التظلم لا يصلح أن يكون محلاً لدعوى الإلغاء))،
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️معنى ذلك ان يحدث القرار الإداري أثرا قانونيا، ويكون الأثر إما بإحداث أثر قانوني كقرار تعيين شخص في وظيفة أو تعديل مركز قانوني قائم كقرار ترقية موظف إلى درجة أعلى أو إلغاء مركز قانوني قائم كقرار فصل موظف، فهذا الأثر هو الذي يتمم بنيان القرار الإداري، فلولاه لما لجأ المدعي بالالغاء للقضاء للطعن في القرار، و قد لا يحدث القرار الإداري أي تغيير في المركز القانوني للشخص ، بل يكتفي فقط بعدم المساس بها كرفض منح ترخيص معين، فالأثار التي يحدثها القرار الإداري تتجسد إما في إحداث قاعدة ذات طابع عام أو خلق وضع قانوني، ويجدر القول أن القرار الإداري يجب أن يكون نافذاً ، ومعنى هذا أن القرار يجب أن يصدر بصفة تنفيذية نهائية، فلا يجب أن يكون محلا التصديق أو التعقيب من جهة إدارية أعلى أي أن القرار قد استنفذ كافة مراحل التدرج لوجوده قانونا، وهذا ما يجعل باقي الأعمال الأخرى مستبعدة من الطعن بالإلغاء كالأعمال التحضيرية للقرارات، والأعمال التمهيدية (الوسيط في دعوى الإلغاء، سامي الوافي، ص،92-96).
فالمقصود بتأثير القرار الإداري أن يكون للقرار أثر في المراكز القانونية للطاعن بأن الحق القرار الإداري ضرراً بالطاعن، فاذا كان القرار الإداري ليس من شأنه أن يحدث أثراً في المركز القانوني للطاعن فأنه لا يمكن الطعن في القرار بالالغاء، ومن أمثلة ذلك بيانات الاستعلامات والأعمال المتعلقة باثبات حالة معينة كالأمر بإجراء الكشف الطبي على أحد الموظفين,.. إلخ، ولا يجوز الطعن بالإلغاء أيضاً في اجراءات التنظيم الداخلي. كالإجراءات التي تتخذها الإدارة لتنظيم سير العمل داخل الادارات دون أن تنتج أثراً قانونياً بالنسبة للأفراد الذين صدرت بشأنهم كقرارات توزيع العمل على الموظفين.
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂▂
▪️لا ريب ان الإدارة تستهدف من قرارها تحقيق آثار معينة تشكل محل القرار الإداري، ومحل القرار هو احد أركان القرار الإداري، ويجب أن تتوفر في محل القرار الإداري شروط معينة حتى يكون القرار الإداري سليماً في محله، وهذه الشروط هي :
أولاً : ترتب اثر القرار حالاً و مباشرةً :
يحدث القرار الإداري حال صدوره صحيحاً التأثير أو التغيير الذي قصـدته الإدارة في الأوضاع القانونية، ويتمتع القرار الإداري لهذا الغرض بقرينة الصحـة، إذ يفترض أن القرار الإداري حال صدوره يكون صحيحاً، و يحدث أثاره في الحــال و أن الإدارة تستطيع البدء بتنفيذه - كقــاعدة عامة - حتى لو طعـــــن الأفـراد بصحته،ويترتب على افتراض أو قرينة موافقة القرار للقانون أن الأوضاع القانونية الجديدة الناشئة عن القرار تقوم حال صدوره، وعلى هذا الأساس يتمكـــــن الشخــص المعني بالقــرار من التمتع بما يعطيه له من حقــوق و امتيـــازات بموجب المركز القانوني الجديد و عليه الالتزام بما يفرض عليه القرار مــن التزامات وواجبات منذ نفاذه . على أن القول بان القرار الإداري يرتب أثاره حال صدوره لايعني انه يكــــون نافذاً من لحظة صدوره بحق الجميع ( الإدارة و الأفراد ) إذ هناك مواعيــد محددة لنفاذ القرار الإداري تجاه الإدارة و تجاه الأفراد .
فالقاعدة أن القرارات الإدارية تعتبر نافذة بمجرد صدورها من السلطة التــي تملكها , ولكنها لا تسري بحق الأفراد الذين توجه إليهم إلا إذا علموا بهــــا عن طريق إحدى وسائل العلم المقررة قانونـــــاً , فهناك تاريخـــان رئيسيان بالنسبة للآثار القانونية المتولدة عن القـرار الإداري هما تاريخ صدور القـرار و تاريخ العلم به، و هذا العلم يكون بإحدى الطرق المقررة قانوناً و هي كقاعـدة عامة الإعلان بالنسبة للقرارات الإدارية الفرديــــة و النشــر في الجـــريدة الرسميـــة بالنسبة للقرارات التنظيمية ( اللوائح )، و المقصود بالقـول أن القرار يرتب أثاره حالاً ومباشرةً هو انه يصبح حال صدوره جزءاً مـن التنظيـم القانوني و تكون معالم الصورة الجديدة لهذا التنظيم كما رسمهـا القرار لحظة صدوره .و يفهم من ذلك أن القرار يمتاز بصفته القانونية التنفيذية بمجرد صدوره من الجهة الإدارية ومن ثم تترتب عليــــه أثاره القانونية حالاً و مباشرةً و يكاد يكون هذا مبدأ عاماً يحكم كل القرارات الإدارية. و قد قرر القضاء الإداري في مصر بأن العمل الذي لا يرتب أثاراً قانونية حال صدوره يكون من الأعمال المادية، فنفى صفة القرار الإداري عن الوعد الصـادر من وزير التربية و التعليم بتعيين شخص متى حصل على المؤهــــــل اللازم ووجدت درجة خالية، و جاء في قرار لمحكمة القضاء الإداري بهذا الصــدد (أن هذا الوعد يعتبر بمثابة وعد مشروط بتعيين المدعي و لكنه لا يعد من قبيل القرارات الإدارية الصادرة في شأن التعيين، و لا يعدو أن يكون عمــلاً مادياً لا ينشئ حقوقاً بل ينشئ مزية أو مركزاً لم يحمه القانون بعد).
ثانياً . أن يكون محل القرار الإداري ممكناً:
يقصد بهذا الشرط أن يكون محل القرار الإداري ممكناً من الناحية القانونية أو من الناحية الواقعية , فإذا استحال هذا المحل قانوناً أو واقعـــاً , فأن القرار الإداري يصبح قراراً منعدماً و ليس فقط قابلا للبطلان أو الإلغاء. و تتمثل الاستحالة القانونية لمحل القرار في كون هذا المحل لايكـون ترتيبه ممكناً من الناحية القانونية كما في حالة صدور قرار بتعيين موظــف لدرجة معينة ثم يتضح أن الدرجة مشغـولة , فأن هذا التعيين لم يصادف محلاً فهو غير ممكن قانوناً لانعدام المركز القانوني الذي يمكن أن يرد عليه هذا التعيين.وتتمثل الاستحالة الواقعية في حالة إصدار قرار إداري من المستحيل تنفيذه , فأن محل القرار نفسه يكون من المستحيل تحقيقه , مثل القرار الإداري الذي يصدر بإزالة منزل آيل للسقــوط , ثم يتضح بعد ذلك إن هذا المنزل قد سقط بالفعل, وبذلك يستحيل تحقيق محل القرار وهو هدم المنزل و يصبح ذلك القرار منعدما، واستحالة تحقيق اثر القرار ( محله ) قد تكون سابقة على صدور القرار وقد تكون لاحقة عليه، ولا يؤثر النوع الأخير من أنواع الاستحالة على صحــة القرار من الناحية القانونية و إنما يقتصر أثرها على تنفيذه من الناحيــــة العملية حيث أصبح هذا التنفيذ مستحيلاً، أما الاستحالة السابقة على صدور القرار فأنها تؤثر في صحته و تعدمه.و في هذا الشأن قضت المحكمة الإدارية العليا في مصر بتاريخ 22/11/1958 انه ((متى كانت مدة خدمة المطعون عليه قد انتهت بالقرار الصادر من مجلـــس الوزراء في 7 يناير سنة 1954 بالموافقة على اعتزاله الخدمة , فأن القـــــرار الصادر بترقيته بعد ذلك في 19 يناير 1954 يكون معدوماً إذ لم يصـــادف محلاً يقبله و يقع عليه بعد إذ لم يعد المدعي موظفاً قابلاً للترقية))، على أن عدم إمكانية تحقق المحل المعلن في القرار لا يعني حتماً أن القــرار معيب و لا يمكن تحقق أثاره فقد اخذ القضاء الإداري بفكرة تحول القرار إلى محل أخر .
إلا انه يلاحظ إن اثر القرار الإداري قد لا يصل إلى درجة الاستحالة المطلقــة و إنما إلى صعوبة التنفيذ .. كالقرار الصادر مثلاً بإلزام احد الموظفين بالعمل طوال ساعات اليوم ليلاً و نهاراً و بشكل متواصل , إذ أن مثل هذا القرار يعتبر قراراً معيباً في محله لصعوبة تطبيقه من الناحية العملية خاصة إذا كان العمل مرهقاً و يستلزم قسطاً من الراحة.و القرارات الإدارية التي يستحيل ترتيب أثرها من الناحية القانونية أو الواقعية تعد بمثابة أعمال مادية تنحدر إلى درجة الانعدام و تسري عليها أحكامه من حيث جواز سحبها في أي وقت , مع جواز الطعن عليها أمام القضاء العادي دون تحصـــن بمدة معينة, إضافة إلى عدم جواز تنفيذها جبرياً , حيث أنها لا تعتبر قرارات إدارية و إنما تأخذ حكم العدم الذي لا يرتب أي اثر قانوني قبل الأفراد و لا يؤثر في مراكزهم القانونية ، كما يجب أن يكون محل القرار موجوداً وجوداً حقيقياً و معيناً تعييناً نافياً للجهالة أو قابلاً للتعيين في المستقبل , أما استحالة تعيين المحل فتؤدي حتماً إلى انعدام القرار .
و إذا كان الأصل – كما ذكرنا في الشرط الأول – إن تاريخ نفاذ القرارات الإدارية مرتبط كقاعدة عامة بتاريخ صدورها فأن هذه القاعدة – ككل قاعدة – قد ترد عليها بعض الاستثناء ات، ومن هذه الاستثناءات ان القرارات البسيطة و التي تصدر مُنجزة هي التي تنفذ من تاريخ صدورها ولكن من الممكن أن تعلق بعض القرارات على شرط موقف أو فاسخ.و القرارات التي تكون معلقة على شرط تكون غير نافذة و لا تترتب أثارها إلا إذا تحقق ذلك الشرط، ذلك إن نفاذ القرارات المُعلقة على شرط موقف أو فاسخ تكون غير مُمكنة التنفيذ إلا إذا تحقق الشرط الذي علق عليه القرار، وعلى ذلك يكون القرار الصادر بترقية الموظف المتهم و المحال إلى المحكمة لا يعدو أن يكون قرار ترقيته غير بات و إنما هو قرار معلق على شرط أن تثبت عدم إدانته بحكم يصدر من المحكمة .
و إذا كان القرار الإداري من شأنه أن يرتب أعباءً مالية على الخزانة العامة وجب لكي يصبح مُمكنا قانوناً أن يُعتمد المال اللازم لمواجهة تلك الأعباء من الجهة المختصة بحسب الأوضاع الدستورية، و في علاقة اشتراط أن يكون محل القرار الإداري ممكناً بتوافر الاعتمادات المالية ذهبت المحكمة الإدارية العليا في مصر إلى أن القرار الإداري الذي يُحمل الخزانة العامة أعباء مالية لا يصبح ممكناً قانوناً , إلا إذا توافرت الاعتمادات المالية اللازمة لمواجهة الأعباء المالية التي يفرضها إعمال اثر القرار .وهذا يُستفاد من حكمها الذي جاء فيه انه ((متى كان القرار الإداري من شأنه ترتيب أعباء مالية على الخزانة العامة , و إذا لم يوجد هذا الاعتماد و كان تحقيق اثر هذا القرار غير ممكن قانوناً، و يترتب على ذلك انه لا يجوز للوزارات و المصالح الارتباط بشأن مكافآت إضافية للموظفين قبل الحصول على الترخيص مقدماً من وزارة المالية و تكليف الإدارة للموظف بأداء أعمال إضافية و قيامه بهذه الأعمال لا ينشئ له مركزاً قانونياً ذاتياً في شأن المكافأة عن هذه الأعمال ما لم يصدر الإذن بالصرف في حدود الاعتمادات المقررة ممن يملكه و هذا أمر جوازي للإدارة متروك لتقديرها.))
ثالثاً . أن يكون محل القرار الإداري جائزاً قانوناً (مشروعاً) :
إضافة إلى اشتراط أن يترتب محل القرار الإداري حالاً و مباشرةً و ممكناً من الناحيتين القانونية و الواقعية , فانه يشترط في هذا المحل أن يكون أيضا جائزاً أي أن الأثر القانوني الذي يحدثه القرار يجب أن يكون من الجائز إحداثه أو ترتيبه طبقا للقواعد القانونية القائمة، فإذا كان محل القرار الإداري غير جائز قانوناً فيكون من المستحيل تحقيقه كما لو تعارض اثر القرار مع القواعد القانونية السارية أو مع مبدأ من المبادئ القانونية العامة , كمبدأ احترام الحريات العامة أو مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات العامة أو القرارات الفردية التي تتعارض مع القواعد النظامية كالقرار الصادر بحرمان الموظف من إجازته العادية كعقوبة تأديبية على مخالفة ارتكبها , فمثل هذا القرار يُعتبر معيباً في محله لان قانون الخدمة المدنية لا يجيز الحرمان من الإجازة الاعتيادية كعقوبة. و المقصود من كون محل القرار الإداري جائزاً قانوناً أن يكون موافقاً للقانون أي أن لا يخالف أية قاعدة قانونية أعلى درجة من القرار أياً كان مصدرها، فإذا خالف محــل القرار الإداري القواعد القانونية النافذة فان هذا المحل يستحيلُ تحقيقه قانوناً و بالتالي يصبح القرار الإداري معيباً بعيب المحل جديراً بالإلغاء. (عيب المحل في القرار الإداري، سرى عبد الكريم ابراهيم الجبوري، ص29-17)، والله اعلم.