#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
✍️ القاضي الدكتور: صالح عبدالله المرفدي
كنت قد وضعت سؤال، ونصه كالآتي: هل يجوز لمحكمة الاستئناف، أن تبطل جزء من حكم التحكيم، وتؤيد الجزء الأخر؟؟ والاجابة من وجهة نظرنا "وبكل تواضع" هي على النحو الاتي:
- مما لا شك فيه:أن هذا السؤال مرتبط ارتباطًا وثيقا بتطبيق أحكام المادة (٥٣) من قانون التحكيم اليمني، والتي ذكرت صراحة بقولها: (لا يجوز إبطال حكم التحكيم)، وذكر المشرع في الفقرة (د) أحد هذة الأسباب وهي: (تجاوز لجنة التحكيم صلاحياتها!).
- قد يعتقد البعض: أن محكمة الاستئناف رقابتها على إجراءات التحكيم والحكم به هو دور قانوني مُجرد؛ باعتبارها محكمة قانون وبالتالي لا يجوز لها أن تتدخل في الموضوع.. واجيب أن هذة النظرة قاصره؛ لان رقابة محكمة الاستئناف تمتد بالتدخل في حال الخلاف بين أطراف التحكيم أنفسهم، وبينهم وبين هيئة التحكيم، وباعتقادنا ان الخلل يكمن في القانون اليمني، الذي لم يكن واضحًا ولا صريحًا ولا قاطعًا في تحديد وضبط دور المحاكم في إجراءات التحكيم، وجاء بعبارة عامه مكرره وغير مضبوطة، وتحت مسمى (المحكمة المختصه)، بعكس التشريعات العربية التي كانت أكثر وضوحا وصراحة، بتحديد اختصاص مسائل التحكيم المحلي الى المحاكم الابتدائية المختصه، أما إذا كان التحكيم "تجارياً دولياً" سواء جرى في البلد أو في الخارج، فيكون الإختصاص لمحكمة الاستئناف، على ان تظل هذة المحاكم صاحبة الإختصاص حتى أنتهاء جميع إجراءات التحكيم وتنفيذه. (أنظر م/٩ تحكيم مصري)!
- وفي حقيقة الأمر:آن الاجابة على السؤال الذي طرحناه سابقًا، يقودنا الى الحديث عن سلطة محكمة الاستئناف، في الرقابه على حكم التحكيم بعد صدوره.. ولعله من المفيد الإشارة، بأن قانون الاونسيترال (قواعد التحكيم التجاري الدولي) ومعظم التشريعات العربية، كانت من السابق تقيّد سلطة محكمة الاستئناف، فلا سبيل أمامها إلا إقرار حكم التحكيم باكمله أو ابطاله بأكمله، لكن بعد ذلك أقرّ قانون الاونسيترال، وكذالك تشريعات التحكيم في الدول العربية، منح محكمة الاستئناف سلطة أوسع في الرقابه على صحة أحكام التحكيم، وأدخلت فقره تجيز للمحكمة تصحيح حكم التحكيم، وذلك بفصل المسائل التي يشملها شرط واتفاق التحكيم عن المسائل التي لم يشملها، وترتب على ذلك، بأن أجازوا إبطال المسائل التي لم يشملها إتفاق التحكيم، والابقاء على المسائل الذي شملها اتفاق التحكيم (أنظر م/٣٤ فقرة ٣ أونسيترال و م/٥٣ فقرة ز مصري).
- وفي هذا الخصوص:أختلفت أجتهادات المحكمة العليا للجمهورية، ففي حكم صادر من الدائرة التجارية هيئة (ب)، وبالطعن رقم (٣٦٧٥٣) بتاريخ ٢٠٠٩/١١/٢٤، وكذلك في حكم أخر صادر في الطعن رقم (٥١٨٠٠) بتاريخ ٢٠١٣/٤/٢٧، اجازا هاذين الحكمين، تصحيح حكم التحكيم، بينما لم يجز التعديل والتصحيح، في الحكم الصادر من الدائرة المدنية في الطعن رقم (٥٧٠٦٨) وبتاريخ ٢٠١٥/٨/٢٥.
- وعلى هذا الآساس:نرى صوابية تصحيح حكم التحكيم؛ وفي ذلك أن تعديل حكم التحكيم يختلف عن تصحيحه؛ (فالتعديل) يقتضي الاضافة أو الحذف أو التغيير في الحكم، بينما (التصحيح) يعني مراجعه الحكم، بحيث يتم اعادته الى نصابه وفقًا للقانون، ويقتضي هذا الأمر إبطال ماهو مخالف للقانون، والابقاء على ماهو متفق مع القانون، ويشمل التصحيح. إضافة الى ماتقدم، قيام هيئة التحكيم بإجراء التصحيح المادي، أو اغفال الفصل في بعض طلبات المحتكمين الجوهرية، سواء تقدم بها المحتكمين أنفسهم، أو تنبهت لها هيئة التحكيم أو المحكمة المختصة.
- ولكي تتضح الصورة نضرب هذا المثال: إذا تضمن حكم التحكيم مسائل مخالفه الشريعه الإسلامية أو النظام العام في اليمن، فإذا أمكن فصل مسائل خاضعة للتحكيم وأخرى غير خاضعة له، أو إذا تضمن ما يخالف الشريعه أو النظام العام في بعض أجزائه، أو في شق منه، وأمكن فصل بعضها عن البعض الآخر، فإن البطلان لا يقع إلا على أجزاء الحكم المتعلقة بالمسائل الغير خاضعة لاتفاق التحكيم، أو تلك التي خالفت الشريعه أو النظام العام وحدها دون باقي أجزاء الحكم.
- وفي هذا الشأن: يجوز لمحكمة الاستئناف أن تصحح حكم التحكيم؛ إذا أحتوى الاخير على جزئين: جزءً لم يخرج عنه المحكمين عن إتفاق التحكيم، وجزء أخر تجاوز فيه المحكمين صلاحياتهم.. ومن هذا المنطلق، يكون لمحكمة الاستئناف الحق بامكانية فصل حكم التحكيم، فى المسائل التي لم يشملها إتفاق التحكيم، أو جاوز حدود هذا الإتفاق.
- إضافة الى ذلك:اذا طبقنا قاعدة الزام محكمة الاستئناف بأخذ حكم التحكيم والاقرار بصحته، أو ابطاله كاملًا كما هو.. فاننا نكون قد منحنا المحكمة دور سلبي وصامت وقيدنا رقابتها بشكل حرفي وجامد، ولذلك، نرى حفاظًا على التكاليف وجهد الاطراف والمحكمة، أن تمنح محكمة الاستئناف صلاحية رقابية أوسع؛ حتى لا تبطل كل حكم تحكيم يعرض عليها؛ بمبرر تجاوز المحكمين لبعض صلاحياتهم في جزء من حكم التحكيم، فيجب عليها ابطاله على هذا الآساس، طالما الجزء الأخر غير متعلق به.
- ثم أن: تصحيح حكم التحكيم كما تقدم، لا يعني تعديل الحكم، فهو لم يضيف جزء جديد في الحكم، كما أنه لم يغير الحكم أو يحرّفه، وفي نفس الوقت، لم يحذف جزء من الحكم يتوافق مع القانون، بل العكس هو الصحيح، حيث أن التصحيح بالحذف شمل الجزء المخالف للقانون (التجاوز)، والابقاء على الجزء المتفق مع شرط التحكيم، ومع قانون التحكيم نفسه، وفي ذلك؛ توفير لوقت وجهد المحاكم والمتقاضيين أنفسهم.
- وفي المحصله:نوصي المشرع اليمني، بإضافة حق التصحيح لمحكمة الاستئناف في الفقرة (د) من المادة (٥٣ تحكيم) وعلى النحو الآتي: (ومع ذلك، إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة لاتفاق التحكيم، عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها).هذا اجتهادي وتصوري، والله أعلم، وهو الموفق الى الصواب.
✍️ صالح عبدالله المرفدي
عضو المحكمة العليا للجمهورية
دكتوراه القانون الجنائي جامعة عين شمس
إعادة نشر #اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪