#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
➖➖➖➖➖➖
▪️مصطلح البصيرة في اليمن يطلق على وثيقة بيع وشراء الأرض أو العقار، ومن المعلوم ان الغرض من تحرير البصيرة هو إثبات ملكية الحائز للعقار ، فقد استقر القضاء في اليمن على إثبات ملكية العقارات عن طريق الكتابة (البصيرة) تنفيذاً لأحكام قانوني التوثيق والسجل العقاري، فيجب على من يريد التصرف بعقاره بالبيع أو غيره من التصرفات الناقلة للملكية اوالرهن يجب أن يقدم البصيرة ، لكن الحال يتغير عند الخلاف بشأن وقوع بيع الأرض من عدمه فعندئذ يجوز إثبات إنعقاد البيع في هذه الحالة باية وسيلة من وسائل الإثبات، حيث يتم إثبات وقوع البيع وصدور الإيجاب والقبول وقبض الثمن بأية وسيلة، فعادة لايتم تحرير البصيرة وقت البيع بل بعد ذلك كما قد لايتم تسليم الارض وقت صدور البيع، وفي بعض الحالات قد يقوم البائع أو مافي حكمه بتحرير سند يحكي: إستلامه المبلغ ثمن الأرض المبيعة ويصرح بانه ملتزم بأن يتم تحرير البصيرة وتسليم الأرض في وقت لاحق ، وهذه الإشكالية كثيرة الوقوع خاصة فيما يتعلق بأراضي الجمعيات السكنية وغيرها، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بانه لا يلزم إثبات البيع في هذه الحالة عن طريق البصيرة وحدها بل يجوز إثبات إنعقاد البيع بأي من وسائل الإثبات، فهذا الحكم هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31/12/2012م في الطعن رقم (46965)، وتتلخص وقائع القضية التي تناولها هذا الحكم: ان المدعي تقدم بدعوى أمام المحكمة الابتدائية مفادها: انه اشترى من المدعى عليه أرضاً وتم الإيجاب والقبول وتحديد الأرض وقبض المدعى عليه الثمن وحرر سنداً بذلك تضمن التزامه بتسليم الأرض والمثول أمام الأمين الشرعي لتحرير البصيرة، إلا أن المدعى عليه لم يلتزم بذلك، وعند حضور المدعى عليه امام المحكمة افاد: بانه قد باع كامل أراضيه الواقعة في تلك المنطقة لأن المشتري لم يتابعه بإستكمال الإجراءات ، وقد توصلت المحكمة الابتدائية إلى الحكم بقبول الدعوى وإلزام المدعى عليه بتسليم المدعي قيمة الأرض بحسب سعر الزمان والمكان، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الابتدائي أنه (لما كان الثابت إستلام المدعى عليه من المدعي قيمة أربع لبن والتزامه بتسليم تلك المساحة وحيث ثبت عدم وفاء المدعى عليه بالتزامه، ولما كان المعلوم قانوناً بمقتضى المادة (221) مدني أنه في عقود المعاوضة الملزمة للمتعاقدين إذا لم يف احدهما بالتزامه جاز للآخر ان يطالب بتنفيذ العقد او فسخه مع تعويضه بما غرم في الحالتين، كما نصت المادة (337) مدني على انه يجب على البائع تنفيذ التزامه عيناً إذا كان ذلك ممكناً فان كان ذلك غير مستطاع جاز للمحكمة الحكم عليه بتعويض عادل، ولما كان المدعى عليه قد افاد بتصرفه بجميع الأرض ولم يعد تحت يده شيء وهو ما صادق عليه المدعي الذي طلب تسليمه الأرض او قيمتها ،مما يقتضي الحكم للمدعي بقيمة الأرض المنتكلة وبحسب سعر الزمان والمكان وبحسب ما قدره العدلان المختاران من المحكمة اللذان توصلا الى ان سعر كل لبنة هو....،ولذلك فقد اخذت المحكمة بهذا التقدير)، إلا أن الشعبة الاستئنافية قضت بإلغاء الحكم الابتدائي وإلزام المدعى عليه بتحرير بصيرة في الأرض محل النزاع وتسليمها للمدعي، وقد ورد ضمن أسباب الحكم الاستئنافي ان البيع للأرض محل النزاع قد وقع بالإيجاب والقبول وقبض الثمن فلم يبق إلا تسليم الأرض وتحرير البصيرة مما يستلزم تعديل الحكم الابتدائي والحكم بإلزام المدعى عليه بتحرير بصيرة الأرض المشار اليها وتسليم الأرض إلى المدعي تسليما فعليا ، وقد أقرت الدائرة المدنية الحكم الاستئنافي، حيث ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا (وحيث ان البين من الأوراق ان محكمة الموضوع قد بحثت وناقشت القضية وثبت لديها وقوع عقد البيع بين طرفيه البائع المدعى عليه الطاعن حالياً والمشتري المدعي المطعون ضده حيث تم بيع الأرض المدعى بها بيعا مستوفيا لأركانه وشروطه الشرعية والقانونية، ولما كان المقرر شرعاً وقانوناً أن العقد إيجاب من احد العاقدين يتعلق به قبول من الآخر او ما يدل عليهما على وجه يرتب اثره في المعقود عليه ويترتب عليه التزام كل من المتعاقدين بما اوجب به للآخر، فلا يشترط ان يكون العقد بصيغة معينة او شكل محدد بل المعتبر ما يدل على التراضي حسبما نصت عليه المادة (138) و (148) مدني، فيجوز إثباته بأية طريقة من طرق الإثبات حسبما ورد في المادة (136) مدني، وحيث لم يثبت إنتكال الأرض بحكم شرعي وفقاً لأحكام المادتين (538 و 542) مدني فان ما قضت به محكمة الاستئناف بتعديل الحكم الابتدائي كان صائباً)
الوجه الأول: عقد بيع العقار وآثاره:
▪️عقد بيع العقار من حيث إنعقاده ينعقد مثل غيره من العقود حيث ينعقد بالإيجاب والقبول والتراضي حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا الذي استند إلى أحكام عقد البيع المنصوص عليها في القانون المدني، فإذا تم العقد بالإيجاب والقبول وتوفرت اركانه وشروطه فقد ترتبت عليه كافة الآثار ومنها إنتقال المبيع إلى ملكية المشتري والثمن إلى البائع وإستكمال الاجراءات اللازمة بما فيها تحرير البصيرة، فان لم يقم البائع بتسليم الأرض إختياراً وان لم يقم المشتري بدفع الثمن إختياراً فان القضاء يحكم بإلزامهما بذلك إذا طلب من القضاء ذلك تنفيذاً لأحكام الشرع ونصوص القانون، وعلى هذا الأساس فان (البصيرة) ليست ركناً أو شرطاً لإنعقاد عقد بيع الأرض او العقار وإن كانت أثرا من اثاره.
الوجه الثاني: إثبات عقد بيع الأرض أو العقار:*
▪️ذكرنا في الوجه الأول ان البصيرة ليست ركناً أو شرطاً في إنعقاد عقد بيع العقار وإنما وسيلة لإثبات ملكية العقار والدلالة على إنتقال ملكية العقار إلى المشتري الحائز ،ولذلك يجوز إثبات إنعقاد عقد البيع بأية وسيلة أخرى من وسائل الإثبات كالإقرار أو الشهادة مثلما وقع في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، غير ان دور وسائل الإثبات الأخرى غير البصيرة تهدف فقط لإثبات إنعقاد العقد بغرض حمل المتعاقدين على ترتيب آثار العقد وإستكمال الإجراءات الادارية التي تشترطها القوانين الاخري مثل قانون التوثيق وقانون السجل العقاري كتحرير البصيرة أو وثيقة ملكية العقار بحسب النموذج المعد لذلك بالإضافة الى تسجيل العقار أو وثيقة ملكيته في السجل العقاري علما بأن تحرير البصيرة يتم في وقت لاحق لانعقاد البيع حتى لو تم البيع بنظر الامين الشرعي حيث يتم تدوين البيع في مسوّدة أو مسخرة الامين ثم يتم تحرير البصيرة في وقت لاحق، وعلى هذا الاساس تظهر خصوصية بيع العقار عن غيره من البيوع حيث يظهر ذلك في الاجراءات الادارية اللاحقة لانعقاده كتحربر البصيرة والتسجيل في السجل العقاري، فقد اقتضت طبيعة العقار هذه الاجراءات اللاحقة لانعقاده أما من حيث إنعقاده فهو ينعقد مثل غيره من عقود البيوع حسبما سبق بيانه.
الوجه الثالث: موقع البصيرة ودورها في إثبات بيع العقار:
▪️البصيرة هي الوثيقة التي حددها قانون السجل العقاري وقانون التوثيق لإثبات ملكية المشتري للعقار، وقد سبق القول بأن تحرير البصيرة يتم في وقت لاحق لإنعقاد البيع بالإيجاب والقبول، فالبصيرة هي المتطلب الأساس لبيع العقار حيث يوجب قانون التوثيق على الأمين الشرعي قبل إنعقاد بيع العقار أن يتاكد من وجود البصيرة وانها مسجلة لدى السجل العقاري وكذلك الحال بالنسبة للموثق في قلم التوثيق والمسجل في السجل العقاري، فقبل تحرير أي عقد بيع عقار أو توثيقه أو تسجيله يجب على المختصين التأكد من صحة البصيرة وسلامتها ومطابقتها للعقار المراد بيعه حسبما ورد في القانونين المشار اليهما، وبناءً على ذلك فان البصيرة من أهم متطلبات بيع المالك للعقار فلا يستطيع المالك التصرف في العقار بالبيع اوغيره اوالرهن إلا بعد إثبات ملكيته للعقار عن طريق البصيرة، ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بإلزام المدعى عليه بتحرير البصيرة مع ان عقد البيع كان قد تم إثباته عن طريق إقرار البائع بالبيع وكتابته للسند الذي أقر فيه بانه قد استلم ثمن الارض، ونخلص من ذلك إلى القول: ان البصيرة هي الوسيلة الوحيدة لإثبات ملكية العقار الذي اشتراه المالك ولكنها ليست الدليل الوحيد لإثبات إنعقاد عقد بيع العقار ، في حين أنها الدليل الوحيد لاثبات ملكية العقار عندما يريد المالك بيع العقار او رهنه أو غير ذلك من التصرفات الناقلة لملكية العقار ،غير أنه يجوز إثبات إنعقاد العقد بأية وسيلة من وسائل الاثبات حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الرابع: إنتكال العقار المبيع قبل تحرير البصيرة:
▪️قضى الحكم محل تعليقنا بان إنتكال الأرض لا يكون إلا بحكم شرعي حسبما ورد في المادتين (538 و 542) من القانون المدني،فلا يقبل الإنتكال بمجرد قول البائع أو المشتري، إضافة إلى ان قول البائع في القضية التي تناوله الحكم محل تعليقنا: بانه قد باع أرضه كلها بعد ان باع أربع لبن منها للمشتري يجعل بيعه الثاني باطلاً، لانه في هذه الحالة قد باع أرضاً لم تعد مملوكة له لسبق بيعها، والشرع والقانون يشترطا في البائع ان يكون مالكاً لما يبيع، ،ولذلك لاحظنا ان الحكم محل تعليقنا قد قضى بإلزام البائع بتحرير البصيرة للمشتري رغم إفادة البائع بانه قد باعها للغير لأن الإنتكال لم يثبت بحكم حسبما اشترط القانون.
الوجه الخامس: بيع أراضي الجمعيات السكنية:
▪️تنتشر في اليمن ظاهرة الجمعيات السكنية حيث تضم كل جمعية مجموعة من الأشخاص يختارون من بينهم الممثل القانوني للجمعية السكنية الذي يباشر العقود والتصرفات نيابة عن أعضاء الجمعية، حيث يقوم بعض رؤساء الجمعيات السكنية بتحرير عقود أولية للمشتركين في الجمعيات السكنية تتضمن المساحة المحددة من الأرض العضو وقيمتها دون بيان موقع ومكان الأرض، ويقوم الاعضاء بدفع اقساط قيمة تلك الأرض، ففي هذه الحالة يكون الممثل القانوني للجمعية ملزماً بمتابعة مالك الأرض البائع للجمعية للوفاء بالتزامه فلا يكون الممثل القانوني نفسه في هذه الحالة ملزماً بتسليم الأرض إلى المشترك إلا اذا قام مالك الأرض بتسليمها إلى الممثل القانوني للجمعية أو كان تحرير عقد البيع الاولي أو تحرير سند إستلام ثمن الأرض من المشترك في الجمعية قد تم والارض المخصصة للجمعية قد تم تسليمها إلى الممثل القانوني للجمعية.
الوجه السادس: تكييف سند إستلام قيمة الأرض:
▪️من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا نجد ان البائع كان قد حرر سنداً بيد المشتري تضمن هذا السند ان البائع قد استلم مبلغ... ثمناً لأربع لبن من الأرض المملوكة للبائع الكائنة في... وتم تحديد موقع الأربع اللبن، وقد استند الحكم محل تعليقنا على هذا السند حيث اعتبره إقراراً من البائع بانه قد باع الأربع لبن، وهو تخريج سديد حسبما سبق بيانه، لان السند في هذه الحالة قد حدد الثمن والأرض المعينة والمحددة، ولكن التكييف يختلف حينما يقوم الشخص بتحرير سند إستلام مبلغ معين لشراء أرض غير معينة فان الأمر يختلف فان كان الذي قام بتحرير السند مالكاً لأراضي قام ببيعها إلى الغير فانه يكون ملزماً شخصياً بتسليم أرض لصاحب السند بحسب سعر الزمان والمكان وان كان محرر السند مجرد وسيط او عضو جمعية سكنية أو صاحب مكتب عقارات فان التزامه يكون ببذل عناية وليس بتحقيق نتبجة فيجب عليه ان يثبت انه قام بالبحث عن الأرض المطلوبة وان مساعيه لم تفلح مع انه قد بذل قصارى جهده، الله اعلم.