المدرس بكلية الحقوق – جامعة عدن
▪️المجني عليه هو من يقع عليه الاعتداء بفعل مادي يوصف في القانون الجزائي (الجنائي) أو في النصوص العقابية المختلفة بكونه جريمة توجب عقاب مرتكبها، أما الاستئناف فهو أحد طرق الطعن في الحكم الصادر عن محكمة أول درجة يستهدف التظلم من هذا الحكم بطرح الدعوى من جديد أمام محكمة أعلى منها درجة.
▪️ويثير استئناف المجني عليه للحكم الجنائي إشكالية تدفع بعض الخصوم لمواجهة ذلك الاستئناف بالدفع بعدم القبول بحجة استئناف المجني عليه للجانب الجنائي خاصة في القضايا غير الجسيمة أو تلك التي لا تؤدي لذهاب نفس أو عضو ولذا فإننا سنقوم ببحث هذا الموضوع من ناحية قانونية وفقاً لما تضمنه القانون الإجرائي اليمني من أحكام ومبادئ وقواعد عامة في هذا الخصوص.
▪️حيث سيتم تقسيم هذه الدراسة – إن أمكننا مجازاً تسميتها كذلك – إلى أربعة مواضيع فرعية نبدأ ببيان مفهوم المجني عليه ومركزه القانوني أمام المحكمة الجزائية، ثم نبين موضوع الطعن كحق قانوني أصيل لجميع أطراف الدعوى، ومن ثم نبين المراكز القانونية لأطراف الدعوى، وتأثير ذلك على الطعن بالاستئناف، وأخيراً نناقش موضوع ولاية المحكمة الاستئنافية لنظر الدعوى الجزائية برمتها، كل ذلك تباعاً على النحو الآتي:
:➖➖➖➖➖
▪️يعرف المجني عليه بأنه الشخص الذي مسه الفعل الإجرامي بشكل مباشر في أي من حقوقه وحرياته الأساسية التي كفلها له القانون، كحقه في الحياة، وفي سلامته البدنية وفي أمنه الشخصي والأسري، وفي سرية مراسلاته، وفي حرمة مسكنه، وفي حريته في التعبير والتنقل..الخ، أو بمعنى آخر هو الشخص الذي مثل الفعل الإجرامي اعتداء على حق من حقوقه أو كلية من الكليات الخمس لديه والتي هي: (الدين والعقل والنفس والمال والعرض) .. ولذا فإن مفهوم المجني عليه يشير إلى صاحب الحق الذي يحميه القانون ويجرم انتهاكه أو وقوع عدوان مباشر عليه. ومصطلح المجني عليه يتقاطع بهذا المعنى مع مصطلح الضحية من جهة ومصطلح المتضرر من الجريمة من ناحية أخرى، إلا أن المجني عليه هو أول ضحايا الجريمة، وهو المتضرر الرئيسي منها.
▪️وعلى هذا فإن مصطلح "المجني عليه" - في الدعوى الجزائية - يستوعب من وجهة نظر المشرع اليمني مفهومين هما: المدعي بالحق الشخصي، والمدعي بالحق المدني.
▪️ويورد المشرع اليمني في المادة (2) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (13) لسنة 1994م بشأن الإجراءات الجزائية تعريف ذينك المصطلحين، على النحو الآتي :-
المدعى بالحق الشخصي: المجني عليه أو أولياء الدم أو ورثة المجني عليه الشرعيون أو من يقوم مقامه قانوناً.
-المدعي بالحق المدني: كل من لحقه ضرر من الجريمة مادياً كان أو معنوياً.
▪️قررت المادة (411) من القرار الجمهوري بالقانون رقم (13) لسنة 1994م بشأن الإجراءات الجزائية بفقراتها الثلاث أهم القواعد العامة في موضوع الطعن في الأحكام..إذ قررت أن كل حكم أو قرار يكون قابلاً للطعن ما لم ينص القانون على عدم جواز الطعن فيه، وجاءت الفقرة الثانية لتقرر أن الطعن حق لجميع أطراف الدعوى ما لم يقصره القانون على طرف دون آخر ، أما الفقرة الأخيرة من نفس المادة فقد قررت مبدأ عدم جواز رفع الطعن إلا ممن له صفة أو مصلحة في الطعن، وهو أحد المبادئ التي استقر عليها القضاء حيث أنه لا يعتبر الطعن مقبولاً شكلاً إلا إن استوفى أوصافه الشكلية من حيث الصفة والمصلحة والميعاد.
▪️وبهذا الصدد، فإن المجني عليه – بوصفه مدعٍ بالحق الشخصي بحسب المادة (2) إ-ج والتي عرفت المدعي الشخصي بأنه: (المجني عليه أو أولياء الدم أو ورثة المجني عليه الشرعيون أو من يقوم مقامه قانوناً) يعد طرفاًُ أصيلاً من أطراف الدعوى الجزائية؛ وذلك بكونه هو من مسته الجريمة بشكل مباشر فصار من حقه أن يطالب ليس فقط بالتعويض المدني كونه مدعٍ بالحق المدني بل من حقه أن يطالب بتوقيع العقوبة الجزائية القانونية في حق المتهم، وبالتالي فإن الصفة والمصلحة متوفرة في الطعن بالحكم بوصفه مدعي بالحق الشخصي (مجني عليه).
▪️كما إن الصفة والمصلحة ثابتتان له وفقا لحقه المكفول قانوناً في رفع دعوى التعويض عن الضرر الذي لحقه من الجريمة م(43) إ-ج (يجوز لكل من لحقه ضرر من الجريمة رفع الدعوى.. المدنية مهما بلغت قيمتها بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة أمام المحاكم الجزائية لنظرها مع الدعوى الجزائية) فإذا كان المجني عليه قد طالب بحقه المدني في التعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة أمام محكمة أول درجة فيتقرر له بالتالي حق استئناف الحكم م(414/1) إ-ج بوصفه مدع بالحق المدني.
▪️وبهذا يتضح وبجلاء أن القانون قد كفل للمجني عليه الطعن في الحكم بشقيه الجزائي والمدني .. ولذا فإن الزعم بانحصار حقه في الطعن بالجانب المدني إنما هو فهم مغلوط وقاصر للنصوص الإجرائية اليمنية وإن كان ذلك الزعم يجد له مقتضى فيما سوى القانون اليمني وخاصة في القوانين التي لا تعترف للمجني عليه بدور مساعد إلى جانب الادعاء العام، فالقانون اليمني أحكامه واضحة في هذا الجانب وهو يعتبر المجني عليه طرفاً أصيلا ومنضماً إلى جانب الادعاء العام، هو ما سنوضحه لاحقاًً.
▪️عددت المادة (417) إ-ج أطراف الدعوى الجزائية فذكرت خمسة أطراف هم :
(1- لنيابة العامة
2- المتهم
3- المدعي بالحق الشخصي
4- المدعي بالحق المدني
5- المسئول عن الحقوق المدنية) ويتضح من هذا النص القانوني غاية المشرع في التمييز بين المراكز القانونية للمدعي بالحق الشخصي، والمدعي بالحق المدني، وهذا التمايز هو أمر قد أكده نفس القانون في مواضع عديدة منها م (2) إ-ج التي فرقت في التعريف بين المدعي الشخصي، والمدعي بالحق المدني .. ولذا كان من البديهي أن تتغاير وتتمايز آثار الطعن بالاستئناف أو حتى النقض من طرف لآخر ؛ إذ أن استئناف المدعي بالحق المدني يجعل ولاية المحكمة قاصرة على نظر الادعاء المدني فقط م (416) إ-ج.
▪️ولا يكون لمحكمة الاستئناف ولاية النظر في الجانب الجزائي إلا في ثلاثة أحوال هي :
1- إذا استأنفت النيابة الحكم الابتدائي
2- إذا استأنف المتهم الحكم الابتدائي
3- إذا استأنف المدعي بالحق الشخصي الحكم الابتدائي .. وهذا ما تؤكده المادة (417) إ- ج إذ جاء النص كالآتي : (يجوز لكل من النيابة العامة والمتهم والمدعي الشخصي والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يستأنف الأحكام الصادرة في الجرائم من المحاكم الابتدائية .. واستئناف المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها لا يطرح على محكمة الاستئناف إلا الدعوى المدنية).. وطالما أن صدر المادة يجيز لجميع الأطراف استئناف الحكم، إلا أن عجزها يقصر استئناف المدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها على الجانب المدني فقط ؛ ولذا فإن استئناف بقية الأطراف – أي النيابة والمتهم والمدعي بالحق الشخصي – يكون متعلق بالجانب الجنائي .. أي أن استئناف النيابة والمتهم والمدعي بالحق الشخصي يطرح على محكمة الاستئناف الدعوى الجزائية برمتها، سواء كان ذلك الاستئناف بالتضامن أو الانفراد، بمعنى أن أي طرف من الأطراف الثلاثة - المخول لهم قانونا استئناف الشق الجزائي- يتقدم باستئنافه؛ فإن الدعوى الجزائية برمتها تكون مطروحة على المحكمة شريطة أن يكون الاستئناف قد قدم خلال المدة المحددة قانوناً على وفق ماحدده القانون.
▪️وتأسيساً على ما سبق يكون اتصال المدعي بالحق الشخصي بالدعوى الجزائية اتصالاً أكيداً يثبت له حق المطالبة بتوقيع العقاب على الجاني، فلا يحكم بالقصاص إلا إذا طلبه ولي الدم م (234) عقوبات ، ولا يحكم بالأرش إلا إذا طلبه المجني عليه .. بل إن أغلب الدعاوى الجزائية الواقعة على الأشخاص لا ترفع إلا بناء على شكوى المجني عليه م(27) إ- ج.
▪️وقد أكد المشرع اتصال المدعي بالحق الشخصي (المجني عليه) بالجانب الجزائي في مواضع عديدة من القانون منها ما أوردته المادة (351) إ- ج إذ قررت حق النيابة في شرح أسباب الاتهام ووقائع الدعوى وقائمة أدلة الإثبات، كما قررت نفس المادة حق المدعي بالحق الشخصي في شرح أسباب الاتهام ووقائع الدعوى وقائمة أدلة الإثبات، بل إن نفس النص القانوني م (351) إ- ج قد قرر الحق للمدعي بالحق الشخصي في توضيح طلباته عقب عضو النيابة، وتقرير المشرع جميع تلك الحقوق للمدعي بالحق الشخصي يؤكد قطعاً أن اتصال المدعي بالحق الشخصي بالجانب الجزائي كاتصال النيابة العامة، وهذا مما تفرد به القانون الإجرائي اليمني على نظيره المصري وغيره من القوانين إذ أنه أوجد نوعاً من التوازن بين حقوق المجتمع كمجني عليه عام، وحقوق المجني عليه الفرد، دون افتئات أو مساس أو إغفال لحقوق المتهم.
▪️وعليه فإن المجني عليه عندما يقدم استئنافه إنما يكون قد مارس حقه القانوني في استئناف الحكم الابتدائي المتعلق بجريمة مسته بشكل مباشر .. وهو يباشر حقه هذا بوصفه مجني عليه، أي (مدع بالحق الشخصي) إضافة إلى أنه قد يكون مدع بالحق المدني، سيما إن كانت الجريمة التي اقترفها المتهم من جرائم الشكوى والتي لا ترفع إلا بناء على شكوى المجني عليه بل وتنتهي إجراءات الدعوى بتنازل المجني عليه في أي وقت م(31) إ-ج سواء بالتنازل العلني أو الضمني.
▪️لذلك فإن استئناف الحكم الجزائي من قبل المجني عليه يعد تأكيداً على تمسكه بشكواه في الأصل وحقه في إنزال العقاب بالمتهم كحق أصيل باعتباره مدع بالحق الشخصي ومدعي بالحق المدني في آن واحد ؛ فإنه يتعين على المحكمة قبوله م (411/3) إ- ج سواء استأنفت النيابة أم لم تستأنف.
▪️وحيث أن المدعي الشخصي له حق الطعن في الحكم كالنيابة العامة م (417) إ- ج فإن استئنافه هذا يطرح الدعوى الجزائية برمتها على محكمة الاستئناف، إذ أن ما يطرح الجانب المدني على محكمة الاستئناف هو طعن المدعي بالحقوق المدنية و المسئول عنها فقط م(417) إ- ج أما استئناف بقية الأطراف : النيابة العامة، والمتهم، والمدعي بالحق الشخصي فيطرح الدعوى الجزائية برمتها على محكمة الاستئناف م (417) إ- ج .. إذ بعض الجرائم يغلب فيها حق العبد على حق الله، وبالتالي يغلب فيها حق المجني عليه ويقدم على حق المجتمع الممثل بالنيابة العامة .. وعلى ذلك يكون من المتعين الجزم بحق المجني عليه بالطعن في الحكم الجزائي الابتدائي، ورفض أي دفع يناقض ذلك قد يبديه الجاني؛ لما فيه من جهل بالقانون وإطالة لأمد التقاضي.
▪️أما القول بغير ذلك وحصر استئناف الجانب الجزائي في الحكم على الجاني والنيابة العامة فقط؛ فإن من شأنه أن يوقع الخلل في مبدأ هام من مبادئ التقاضي وهو المساواة بين الخصوم، فالخصم الحقيقي للجاني ليس النيابة العامة وإنما هو المجني عليه، إذ هو من مسه الفعل الإجرامي بشكل مباشر - وليس هذا تقليل من شأن النيابة العامة؛ فهي خصم يمثل المجتمع الذي تضرر من الفعل الإجرامي بشكل غير مباشر- وليس هناك أي إشكال في حال قيام النيابة العامة بواجبها الشرعي والقانوني في تحقيق مبدأ سيادة القانون، إنما يكون الإشكال في حال تخاذل وتقصير النيابة العامة في ذلك - وهو نادراً ما يحصل منها- لتغطية خلل في عملها قد يكون خطأ في تكييف القضية راجع لسوء فهم القانون ولم تتنبه له المحكمة، أو بدافع الرحمة والشفقة على الجاني، إلى غير ذلك من الأسباب التي تكوّن قناعة لدى النيابة بعدم استئناف الجانب الجزائي للحكم، بما يعني قطع الطريق أمام المجني عليه في استئناف الجانب الجزائي واقتصار استئنافه على الجانب المدني إن وجد، والقول بمثل هذا - مع مخالفته للقانون على ضوء ما سبق بيانه – فإنه يعد إهدار لحقوق هي أولى بالرعاية والحماية وهي: حق المجتمع وحق المجني عليه في أن يلاقي الجاني العقاب الملائم والمناسب لفعله الإجرامي.
▪️وإذا كان الجميع يتحدث – أشخاصاً وهيئات حقوقية ومنظمات دولية - عن حقوق المتهم (الجاني) فمتى سيتحدث هؤلاء عن حقوق المجني عليه حتى لا يقع ضحية للجريمة والحكم في آن واحد؟؟.
ونخلص أخيرا إلى القول بأن الجريمة لها ضحيتان هما: المجتمع والمجني عليه، والقانون يهدف إلى حماية كلا الضحيتين معاً، ولذا اعترف القانون اليمني بحق إيجابي للمجني عليه في الدعوى الجنائية بدءً من إقرار قيد على النيابة العامة في تحريك بعض القضايا التي تمس المجني عليه مباشرة بحصول شكوى من المجني عليه، ومروراً بالاعتراف للمجني عليه بدور إيجابي أثناء المحاكمة، وانتهاءً بالاعتراف بحق المجني عليه في التنازل عن الشكوى في أي وقت تكون عليه الدعوى وكذا حقه في العفو ولو بعد صدور الحكم وحقه في استئناف الأحكام والطعن فيها، ولذا فإن القانون اليمني يعتبر المجني عليه عنصراً أساسياً وفعالاً في الدعوى الجنائية له مصلحة في جمع الأدلة وتقديمها لإدانة المتهم وعقابه باعتباره صاحب الحق الذي انتهكته أو هددته الجريمة. وذلك على غير ما ذهبت إليه بعض القوانين العربية من اعتبار المجني عليه طرفاً فقط في الدعوى المدنية المتفرعة عن الجريمة باعتباره قد أصابه ضرر مدني من تلك الجريمة، إذ ليس شرطاً أن يترتب عن الجريمة ضرر يصلح أن يكون أساساً لتحريك الدعوى المدنية.
▪️ولهذا وذاك نرى أن القانون اليمني رغم بعض القصور الحاصل فيه إلا أنه مقارنة ببعض القوانين العربية لا سيما المصري فقد كان متميزاً في معالجة موضوع حق المجني عليه في الدعوى الجزائية، وإن كانت بعض النصوص تحتاج إلى إيضاح أكثر، ونتمنى في هذا الخصوص أن يعاد النظر ليس في نصوص القانون اليمني فحسب، وإنما في فهم هذه النصوص، وهذا يقتضي بشكل أساسي تأهيل مستمر للمعنيين بتطبيق القانون لإنعاش العقول وصقلها بالقراءة والإطلاع، ومن ثم الزج برجال القانون من قضاة وأعضاء نيابة في طريق البحث العلمي المحكّم، وأن ترتبط الترقيات لا على كم الإنجاز القضائي ولكن على الكيف في الإنجاز التلازمي بين العمل القضائي والبحث العلمي.. فبهذا نكون قد حققنا قفزة نوعية في القضاء اليمني، تحفظ له هيبته ومكانته في المجتمع وتحقق دوره الأصيل في الحفاظ على سفينة المجتمع والسير بها سيراً حثيثاً ومتبصراً نحو مستقبل أفضل.
المصدر: موقع جامعة عدن - تاريخ 2011-6-26 http://www.aden-univ.net/NewsDetails.aspx?NewsId=1199