#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
بسم الله الرحمن الرحيم
تباين أحكام المحكمة العليا بشأن إمكانية ورود جزاء الانعدام على القرارات التنفيذية
المحامي الدكتور هشام قائد عبدالسلام الشميري
تباينت أحكام المحكمة العليا بشأن مدى إمكانية ورود جزاء الانعدام على القرارات التنفيذية؛ ويرجع ذلك إلى اختلافها حول المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام والمجال الذي يعمل فيه بين مضيق وموسع واختلافها أيضاً حول تكييف الأعمال والقرارات التنفيذية وتحديد طبيعتها القانونية، فقد اختلفت أحكام المحكمة العليا بشأن مدى إمكانية ورود جزاء الانعدام على القرارات التنفيذية وذلك إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: ذهب جانب من أحكام المحكمة العليا إلى أن جزاء الإنعدام المقرره في قانون المرافعات يتعلق فقط بالأحكام القضائية التي تجردت من أركانها المنصوص عليها في المادة(٢١٧) مرافعات ولا يشمل القرارات التنفيذية أو أياً من إجراءات التنفيذ أو الإجراءات القضائية؛ مسببةً ذلك بقولها أن القرارات التنفيذية ليست حكماً لأن الأحكام لا تصدر إلاَّ في خصومة إجرائية أو موضوعية وأنه ليس في القانون ما يسمى بالقرارات التنفيذية وأنها عمل مبتدع فاسد سارت عليه المحاكم دون سند من القانون خلقت به المشاكل الكثيرة وأدخلت الخصوم في جحيم المنازعات التي لا نهاية لها. ومن أحكام المحكمة العليا التي أخذت بهذا الرأي الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(أ) بتاريخ ٢٦/٥/ ٢٠٠٨م في الطعن المدني رقم( ٢٩٠٢٣) لسنة ١٤٢٧ه الذي جاء في حيثياته ما نصه(أما صدور ما سمي بالقرار التنفيذي الصادر في ١٩/القعدة/١٤٢٥ه بعد ذلك فالظاهر أن الطاعن لم يدرك حقيقته القانونية وما إذا كان حكماً أو قرار ولائياً أو أنه غير ذلك؟ ومن المعلوم أن لكل نظامه القانوني الخاص وأن أحكام الإنعدام المقرره في قانون المرافعات تتعلق بالأحكام فقط وعلى وجه الخصوص بأركان الحكم (٢١٧)مرافعات دون غيرها مما يكون في الحكم أو أي من إجراءات المرافعات...وهذا إذا كان القرار حكماً وعلى إفتراض بأنه كذلك فإنه مما يكون داخلاً في استثناء المادة(١٣)مرافعات على اعتبار أنه متعلق بإجراءات التنفيذ والحال أنه ليس بحكم لأن الحكم يلزم أن يصدر في خصومة وعليه فإن كل ما ذكره الطاعن عنه لا يفيد في شيء)، وأيضاً الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(أ) بتاريخ ٣ /٥/ ٢٠٠٨م في الطعن رقم(٢٨٣٧٥) لسنة ١٤٢٧ه الذي جاء في حيثياته ما نصه(ثم أن مما يجدر ذكره هو ما لوحظ على الحكم الإستئنافي المطعون فيه أن الشعبة وصفت القرار التنفيذي بأنه حكم وهو غير ذلك لأن الأحكام لا تصدر إلاَّ فيما فيه خصومة إجرائية كانت أو موضوعية، وأنه ليس في القانون ما يسمى بالقرارات التنفيذية وأنها عمل مبتدع فاسد سارت عليه المحاكم دون سند من القانون خلقت به المشاكل الكثيرة وأدخلت الخصوم في جحيم المنازعات التي لا نهاية لها وأن القرار االتنفيذي أجري على محل سبق إجراء التنفيذ عليه بأحكام حائزة بقوة الأمر المقضي به).
الاتجاه الثاني: ذهب جانب أخر من أحكام المحكمة العليا إلى أن جزاء الإنعدام المقرره في قانون المرافعات يرد على القرارات التنفيذية وغيرها من إجراءات التنفيذ وأن دعوى الانعدام یمكن أن تلحق أي حكم كان موضوعیاً أو إجرائياً تعلق بمرحلة الفصل في خصومة تقریر الحق أو بمرحلة إجراءات التنفیذ. ومن أحكام المحكمة العليا التي أخذت بهذا الرأي الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(أ) برقم(177)لسنة 1435ه وتاريخ ٢٣/ ٤/ ٢٠١٤م في دعوى الانعدام المرفوعة برقم(٥٤٣٣٧) لعام١٤٣٥ه الذي جاء في حيثياته ما نصه(ما ورد من القول بأن الحكم محل دعوى الانعدام هو حكم صادر في مرحلة التنفیذ وقد سبقه الحكم الابتدائي السند التنفیذي المؤید من المحكمة الاستئنافیة والمقر من المحكمة العلیا وأنه قد تعقبته أحكام قضائیة وقرارات تنفیذیة صادرة في مرحلة التنفیذیة فإن هذا القول لیس بسند قانوني مقبول كون دعوى الانعدام یمكن أن تلحق أي حكم كان موضوعیاً أو إجرائياً تعلق بمرحلة الفصل في خصومة تقریر الحق أو بمرحلة إجراءات التنفیذ ولا یحصنه من دعوى الانعدام أي حكم سبقه أو لحق به ما دامت قیمته القانونیة ساریة التأثیر ومادام وجوده القانوني قائماً...وحیث تحقق المسبب بانتفاء ركن الولایة في الحكم المدعى بانعدامه فإنه یكون قد ولد میتاً وأن وجوده مجرد وجود مادي واقعي وآن الأوان لإزالته وما یترتب على ذلك من التقریر بانعدام كل ما تعقبه من قرارات تنفیذیة)، وأيضاً الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(ز) بتاريخ ٧/ ١/ ٢٠٠٩م في دعوى الانعدام المقيدة برقم(36542ك) الذي جاء في حيثياته ما نصه(ولما كان القرار التنفيذي منعدماً فإن ما بني عليه من أحكام تكون منعدمة لما قضت به المادة(301) مرافعات من أنه: "يترتب على نقض الحكم إلغاء جميع الأحكام والأعمال اللاحقة له متى كان أساساً لها أياً كانت الجهة التي أصدرتها"..)، وكذا الحكم الصادر من الدائرة المدنية بتاريخ ٢٢/ ١٠/ ٢٠١٠م في الطعن المدني"تنفيذ" رقم(٣٧٨٣٧) لعام١٤٣٠ه الذي جاء في حيثياته ما نصه(....وأن قرر قاضي التنفيذ بقضاء جديد مخالفاً حجية الأحكام وقع في دائرة مخالفة ما تقرره المادة(١٢) مرافعات وجزاء ذلك حدده القانون في المادة(١٥) مرافعات وهو الانعدام لانعدام ولاية القاضي فيما قضى به معارضاً ما قضى به...وبما تقدم ظهر أن قاضي التنفيذ بما قرره قد أفسد الصالح"السند التنفيذي" وحيث إن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد أيد قرار قاضي التنفيذ فإنه يكون قد تحمل فاسده وكل ما اعتره من بطلان وانعدام..).
الاتجاه الثالث: ذهب اتجاه ثالث من أحكام المحكمة العليا إلى التفرقة بين الاوامر المتعلقة بخصومة التنفيذ الجبري الصادرة من قاضي التنفيذ بما له من سلطة ولائية وبين القرارات الصادرة في منازعات التنفيذ من قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية، حيث أن القرارات والاوامر الصادرة من قاضي التنفيذ المتعلقة بخصومة التنفيذ الجبري لأجل إجبار المحكوم عليه الوفاء بما تضمنه السند التنفيذي تعد اعمال ولائية ذات طبيعة خاصة يقوم بها قاضي التنفيذ بما له من سلطة ولائية ولا تخضع هذه الأوامر للطعن ولا يرد عليها الانعدام لأنها تعتبر اعمالاً ولائية وليست أعمالاً قضائية، أما القرارات الصادرة من قاضي التنفيذ بصدد الفصل في المنازعات التنفيذية الموضوعية أو الوقتية فإنها تُعد أعمال قضائية صادرة في خصومة يصدرها قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية وتخضع للطعن ويرد عليها جزاء الانعدام، فإذا كان الأصل في خصومة التنفيذ الجبري إصدار الأوامر من قاضي التنفيذ بما له من سلطة ولائية إلا أنه يستثنى من ذلك منازعات التنفيذ المتعلقة والمرتبطة بإجراءات التنفيذ الجبري التي تخضع للقواعد والإجراءات المعتادة للدعاوى بشقيها العادي والمستعجل والتي أسند المشرع لقاضي التنفيذ سلطة الفصل فيها بموجب قرار قضائي. ومن أحكام المحكمة العليا التي أخذت بهذا الرأي الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(أ) بتاريخ ٩/١/٢٠١٢م في الطعن المدني رقم(٤٣٦٢٨) لعام١٤٣١ه الذي جاء في حيثياته ما نصه(ولذلك فإن القانون قد أحاط القضاء بالانعدام بضمانات يلزم التحري فيها أهمها أن يتعلق الدفع بالانعدام أو الدعوى به بحكم قضائي وفقاً لما تقرره في ذلك المادة(٢١٧) مرافعات والتي حددت الحكم بأنه"قرار مكتوب صادر في خصومة معينة من ذي ولاية قضائية شرعية وقانونية" بحسب الأصل الذي لا استثناء فيه وما ورد في حكم المادة(١٥) التي تنص على أنه"يترتب على مخالفة المواد[٩،١١،١٢،١٣] من هذا الفصل انعدام العمل القضائي وكل ما يترتب عليه" متعلق بأحد أركان الأصل وهو ركن الولاية المحدد في حكم المادة(٢١٧) وعليه يخرج من ذلك وبحكم المادة(٢١٧)مرافعات كل ما يباشر به القضاة أعمالهم مثل الأوامر الذاتية والأوامر على العرائض وما يقررونه من إجراءات في بعض الأحكام وما شاع لدى قضاة التنفيذ مما يسمى بقرارات التنفيذ الاختياري والجبري وقرارات التنفيذ الأخرى عدا ما كان منها فاصلاً في منازعة تنفيذ موضوعية أو إجرائية وكل ما يتم في صورة محاضر ومعنى ما تقدم لا يجوز النظر في دفع بالانعدام أو الدعوى بشأن حكم معين إلاَّ إذا كان هذا الحكم مما يتوافر فيه أركانه المنصوص عليها في المادة(٢١٧)مرافعات، وبالتأمل في محل الدفع بالانعدام الذي تقدم به محامي الطاعنين إلى محكمة التنفيذ وهو قرار التنفيذ الجبري رقم(٣٦) لعام١٤٢٤ه الصادر بتاريخ ١٤ /٧/ ٢٠٠٤م والقرار الصادر بتأريخ ٦/ ٨/ ٢٠٠٣م وقرار التمليك المؤرخ ١٧ /٤/ ٢٠٠٤م وقرار التمليك المؤرخ ٢٦ /٦/ ٢٠٠٦م تبين أن محامي الطاعنين قد أخطأ في النظر إلى هذه القرارات وعلى الأخص قرار التنفيذ الجبري والذي اعتبره حكماً فبعد دراسته والتأمل فيه اتضح أنه لا يعدو عن أن يكون مجرد محضر تضمن بعض الإجراءات التي رأتها محكمة التنفيذ لا تتوافر فيه أركان الحكم المنصوص عليها في المادة(٢١٧)مرافعات آنفة الذكر، أما قرارات التمليك فهي مجرد محاضر تسليم اجتهدت المحكمة وابتدعت هذه الصيغة وحق الملكية لم يكن مترتباً عليها بل على أصل سند الحق واللذان تقررا بحكم محكمة أول درجة الفصل في النزاع وحكم المحكمة العليا....)، وأيضاً الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(أ) بتاريخ ١٥ /٧/ ٢٠١٨م في دعوى الانعدام رقم (٦١١٧٦)لعام ١٤٣٩ه الذي جاء في حيثياته نصه(ولذلك فان الحكم محل دعوى الانعدام قد ولد میتا لخروج قضائه عن سلطان وولایة قضاء التنفیذ المنحصرة ولایتة في تنفیذ الحكم القضائي السند التنفیذي كون قاضي التنفیذ قد مس أصل الحق المحكوم به...وبالتأمل في الحكم المدعى انعدامه الذي قرر عدم جواز الطعن بالنقض في حكم صادر في منازعة تخضع لحكم المادة(٤٩٨) تنفیذ استناداً إلى نص المادة(٥٠١) تنفیذ....وكان اللازم على دائرة فحص الطعون كي تحكم بالاستناد إلى حكم المادة (٥٠١) تنفیذ أن تبین رؤیتها بالنظر إلى حكم المادة (٤٩٨)تنفیذ وغیرها من المواد الأخرى كي تحدد نطاق تطبیق حكم المادة(٥٠١)تنفیذ وأن تشرح النص فلیس كل طعن على حكم صدر في مرحلة التنفیذ مما یخضع لحكم المادة(٥٠١) ومن مقتضى هذا لزوم تحدید ما یعتبر من منازعات التنفیذ ومالا یعتبر منها...وأن تبین الأحكام الصادرة في مسائل التنفیذ التي لا یجوز نقضها حصراً...ومدى لزوم الحكم الصادر في مسمى منازعة التنفیذ ومدى اعتباره عملاً تنفیذیاً....وبعد دراسته تبین ورود السبب المؤثر في الحكم المطعون فیه كونه أید حكماً غیر سوي صدر في منازعة من الغیر دون أن تلاحظ محكمة الاستئناف ما یجب علیها في استئناف مسمى المنازعة والحكم الصادر فیها على غیر هدى....وبناء على ماسبق حكمت هیئة الدائرة بقبول دعوى الانعدام شكلاً وموضوعاً والتقرير بانعدام الحكم المدعى بانعدامه وسحبه بمعرفة الأمانة العامة للمحكمة العليا وقبول الطعن موضوعاً ونقض الحكمين الاستئنافي والابتدائي وإحالة الحكمين المنقوضين إلى هيئة التفتيش لتقييم الأداء بالنظر إلى قضاء السند التنفيذي...). وكذا الحكم الصادر من الدائرة المدنية الهيئة(ه) بتاريخ ٧ /٦/ ٢٠٠٨م في الطعن بالنقض المدني رقم(٢٩٤٨٨)لسنة ٢٠٠٦م الذي جاء في حيثياته ما نصه(...وحيث أن خصومة التنفيذ الجبري إنما هي خصومة إجرائية وهي مجموعة الأعمال الإجرائية التي تباشرها محكمة التنفيذ لإجبار المدين المحكوم عليه بالوفاء بما تضمنه السند التنفيذي وما يصدر منها حسب الأصل العام في إجراءات التنفيذ إنما هي أوامر تنفيذية ذات طبيعة خاصة غايتها اقتضاء الدائن جبراً للحق الموضوعي المحكوم به والذي يعتبر سنداً تنفيذياً ومن ثم فلا تخضع تلك الأوامر للتظلم أو الطعن حسب الأصل العام وإلا أصبح صاحب الحق في التنفيذ يلهث وراء سراب ويدور في دوامة لا يخرج منها إلا منهكاً مما يستتبع فقدان الثقة في احترام سلطان القانون....على أنه وإن كان الأصل في خصومة التنفيذ الجبري إصدار الأوامر من محكمة التنفيذ فإنه واستثناء لها أن تنظر مايتعلق ويرتبط بإجراءات التنفيذ الجبري من منازعات موضوعية أو وقتية وهي تلك المنازعات اللاحقة والتي يكون سببها لاحقاً لصدور السندالتنفيذي والتي تتصل بمدى صحة إجراءات التنفيذ والحقوق الإجرائية فيها....والمنازعات أن تفصل فيها بالإجراءات المعتادة لنظر الدعاوى بشقيها العادي والمستعجل شريطة ألا يمس الحكم أو القرار الفاصل فيها بحجية الحكم المقضي به المراد تنفيذه والذي أصبح سنداً تنفيذياً وأن يكون الحكم مسبباً شأنه شأن الأحكام القضائية وهذه الأحكام الصادرة في منازعات التنفيذ بشقيها الموضوعي والوقتي ولوحدها دون غيرها وعلى نحو ما تقضي به المادة ٥٠١ من قانون المرافعات والتنفيذ المدني رقم ٤٠/ ٢٠٠٢م تخضع للطعن أمام المحاكم الأعلى وبخلاف أوامر التنفيذ التي لا تخضع للطعن كما أسلفناه).
رأينا:
بدورنا نرى أن جزاء الانعدام المنصوص عليه في قانون المرافعات يراد على القرارات والأوامر والإجراءات التنفيذية القضائية التي يصدرها قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية لا بما له من سلطة ولائية، بينما لايرد جزاء الانعدام على القرارات والأوامر والإجراءات العملية المتعلقة بخصومة التنفيذ لأجل إجبار المحكوم عليه الوفاء بما تضمنه السند التنفيذي التي يصدرها قاضي التنفيذ بما له من سلطة ولائية لا بما له من سلطة قضائية، بل أن أعمال التنفيذ القضائية التي يقوم بها قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية والتي يرد عليها جزاء الانعدام لا تقتصر فحسب على القرارات التنفيذية القضائية الصادرة في المنازعات التنفيذية وإنما تشمل أيضاً غيرها من الأوامر والإجراءات التنفيذية القضائية الصادرة من قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية. فالاعمال والقرارات الصادرة عن قاضي التنفيذ يمكن أن تصدر على نوعين قرارات ولائية وقرارات قضائية حسب طبيعة القرار، حيث أن قاضي التنفيذ عند أداء عمله يتمتع بسلطة ولائية يتمكن من خلالها إصدار أوامر ولائية ملزمة للأفراد طبقاً للقانون ويتمتع أيضاً بسلطة قضائية يتمكن من خلالها إصدار قرارات قضائية بالمعنى الدقيق، وبالتالي فأن الأعمال التي يقوم بها القاضي بما له من سلطة قضائية تُعد عملاً قضائياً بالمعنى الدقيق يرد عليها جزاء الانعدام بينما الأعمال التي يقوم بها القاضي بما له من سلطة ولائية لا تُعد عملاً قضائياً بالمعنى الدقيق ولا ترد عليها جزاء الانعدام؛ وسندنا في رأينا ذلك الاتي:
١- إن المشرع اليمني في المادة(55) من قانون المرافعات قد جعل العمل القضائي هو المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام بما نصت عليه من أن(الانعدام وصف قانوني يلحق العمل القضائي ويجعله مجرداً من جميع آثاره الشرعية والقانونية....)، ويذهب جمهور الفقه الإجرائي إلى أن مجال العمل الإجرائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام هو العمل القضائي الذي يقصد به العمل الذي يباشره القائم به بصفته القضائية والذي يُعد عملاً إجرائياً قضائياً باعتباره حصيلة مجموعة من الإجراءات التي ينظمها القانون الإجرائي وباعتبار الأثر الإجرائي الذي يرتبه وهو حجية الأمر المقضي به، ويذهب الفقه الاجرائي إلى أن ممارسة العمل القضائي بمظاهره المختلفة والمتنوعة مرهون بوجود منازعة بين أشخاص القانون تستدعي هذا النشاط وتحثه الفصل فيها وحسمها حيث يوجد العمل القضائي كلما وجدت منازعة تدفع القضاء ممارسة نشاطه وينتفي كلما انتفت المنازعة، ولا تقتصر العوارض التي تبرر ممارسة العمل القضائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام فحسب على عارض التجهيل القانوني بالاعتداء على الحق أو المركز القانوني وإنما تشمل أيضاً عارض مخالفة القانون الذي لا يتأتى حمايته إلا باتخاذ وسائل مادية لإعادة المركز الواقعي للمركز القانوني وذلك عن طريق أعمال التنفيذ الجبري، فأعمال التنفيذ الجبري القضائي تعتبر نموذجاً خاصاً للعمل القضائي الذي يرد عليه الجزاء الإجرائي يستمد ذاتيته من خصوصية العائق الذي يواجهه وإن كانت لاتحوز حجية الأمر المقضي به وهي الأعمال والإجراءات المتعلقة بالتنفيذ الجبري القضائي، ولذلك فإن جزاء الانعدام يرد على القرارات التنفيذية الصادرة في المنازعات التنفيذية وعلى الإجراءات المتعلقة بالتنفيذ الجبري القضائي وذلك باعتبارها نموذجاً خاصاً للعمل القضائي. ومقتضى ذلك أن مجال العمل الإجرائي القضائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام وفقاً لما ذهب إليه الفقه الاجرائي يقتصر على الأعمال التي يباشرها القاضي بما له من سلطة قضائية باعتبارها تُعد أعمالاً قضائية بالمعنى الدقيق ولا يمتد ذلك إلى الأعمال التي يباشرها القاضي بما له من سلطة ولائية أو إدارية باعتبارها لا تُعد أعمالاً قضائية بالمعنى الدقيق ولا يرد عليها الجزاء الإجرائي، والتنفيذ وإن كان يتم بإجراءات عملية يقوم بها قاضي التنفيذ بما له من سلطة ولائية يتمكن من خلالها إصدار أوامر ولائية متعلقة بإجراءات التنفيذ العملية إلا أن الأعمال التي يقوم بها قاضي التنفيذ ليست جميعها أعمالاً ولائية بل أن البعض منها تعد اعمالاً قضائية يقوم بها قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية لا بما له من سلطة ولائية، حيث أن قاضي التنفيذ عند أداء عمله يتمتع بسلطة ولائية يتمكن من خلالها إصدار أوامر ملزمة للأفراد طبقاً للقانون ويتمتع أيضاً بسلطة قضائية يتمكن من خلالها إصدار القرارات والأحكام القضائية بالمعنى الدقيق، وبالتالي فإن الاعمال والأوامر والإجراءات التنفيذية التي يقوم بها القاضي بما له من سلطة ولائية لا تُعد عملاً قضائياً بالمعنى الدقيق ولا يرد عليها جزاء الانعدام أما الأعمال والإجراءات والقرارات التنفيذية التي يقوم بها قاضي التنفيذ بما له من سلطة قضائية تُعد عملاً قضائياً بالمعنى الدقيق يرد عليها جزاء الانعدام.
٢- إن مصطلح(العمل القضائي) الوارد في المادة(55) من قانون المرافعات بشأن تحديد المحل الذي يرد عليه جزاء الانعدام قد ورد بلفظ العموم فلم يقيده المشرع بمرحلة معينة من مراحل العمل القضائي وباعتبار أن العام يعمل بعمومه حتى يرد الدليل على تخصيصه وفقاً للقواعد الأصولية فإن مصطلح(العمل القضائي) ينصرف إلى كافة الأعمال الإجرائية القضائية سواءً أكانت متعلقة بمرحلة الموضوع أم متعلقة بمرحلة التنفيذ. كما أن عموم مصطلح(العمل القضائي) الوارد في المادة(55) مرافعات ينصرف إلى كافة الأعمال الإجرائية المتعلقة بالعمل القضائي الذي يقوم به القاضي سواءً أكانت متعلقة بمرحلة تكوين العمل القضائي أم متعلقة بمرحلة التعبير عنه، فهو لا يشمل فحسب القرارات التنفيذية التي تعد بمثابة حكم قضائي وإنما يشمل أيضاً الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة المتعلقة بها بغض النظر عن صفة القائم بها سواءً أكان القاضي أو معاونيه أو الخصوم أو الغير لأن تلك الأعمال تتعلق بوسيلة تكوين العمل القضائي، فالحكم القضائي يُعد جزءاً من العمل القضائي وليس هو بذاته العمل القضائي، ومن ثم فلا يمكن القول بقصر دلالة مصطلح(العمل القضائي) على مرحلة التعبير عن إرادة القاضي دون مرحلة تكوين هذه الإرادة إلا بصارف. أضف إلى ذلك أن العمل القضائي الذي يرد عليه جزاء الانعدام وإن كان يباشر كقاعدة عامة في صورة أحكام قضائية تصدر بناءً على خصومة إلا أن المشرع استثناءً من هذه القاعدة بنص خاص مباشرة العمل القضائي في صورة أوامر تصدر دون خصومة في غير مواجهة الخصوم، فالحماية القضائية إما أن تكون بشكل حكم يصدر في خصومة وإما أن تكون بشكل أمر يصدر دون خصومة. وبناءً على ذلك فإنه يدخل في طائفة الأعمال التنفيذية القضائية التي يرد عليها جزاء الانعدام القرارات التنفيذية الصادرة في المنازعات التنفيذية والإجراءات المكونة للخصومة المتعلقة بها وكذا الإجراءات المتعلقة بالتنفيذ الجبري القضائي باعتبارها نموذجاً خاصاً للعمل القضائي.
٣- إن المشرع اليمني في المادة(441) من قانون المرافعات قرر صراحةً انعدام إجراءات التنفيذ المتخذة بعد الحكم باستحقاق العقار المحجوز للغير بما نصت عليه من أنه(.....ويترتب على الحكم باستحقاق العقار للمدعي انعدام إجراءات التنفيذ)، والملاحظ أن عبارة(إجراءات التنفيذ) الواردة في هذا النص القانوني جاءت بصيغة العموم بحيث تشمل القرارات التنفيذية وغيرها من أعمال وإجراءات التنفيذ القضائي.
٤- إن المادة(129) من قانون المرافعات نصت على أنه(يكون عمل القاضي أو عضو النيابة في الأحوال المذكورة في البنود(1،2،4،6،8،9) من المادة السابقة منعدماً كأن لم يكن)، والملاحظ أن عبارة(عمل القاضي) الواردة في هذا النص جاءت بصيغة العموم بحيث تشمل كافة الأعمال الإجرائية القضائية التي يقوم بها القاضي سواءً أكانت متعلقة بمرحلة الموضوع أم متعلقة بمرحلة التنفيذ.
٥- إن لفظ(القاضي) الوارد في المواد(12،13)من قانون المرافعات التي رتبت المادة(15) مرافعات على مخالفتها الانعدام قد جاء بصيغة العموم بحيث يشمل قاضي الموضوع وقاضي التنفيذ.
٦- إن المشرع اليمني في المادة(٤٩٩) من قانون المرافعات قرر صراحةً إخضاع المنازعات التنفيذية من حيث رفعها ونظرها والفصل فيها للإجراءات المعتادة للدعاوى العادية أو المستعجلة، وقرر المشرع اليمني أيضاً في المادة(٥٠١) من قانون المرافعات صراحة قابلية القرارات التنفيذية الصادرة في المنازعات التنفيذية للطعن فيها أمام الإستئناف، وهذا إن دل على شئ إنما يدل على الطبيعة القضائية للقرارات التنفيذية.
والله ولي الهداية والتوفيق،،،