بطلان عريضة الطعن لتوقيعها من قبل محامٍ غير مقبول للترافع أمام المحكمة العليا وفقًا للقانون اليمني

#اعرف_حقك_وقانونك⚖️ 🇾🇪

بطلان عريضة الطعن لتوقيعها من قبل محامٍ غير مقبول للترافع أمام المحكمة العليا وفقًا للقانون اليمني.

 د. منير محمد أحمد الصلوي 

أستاذ القانون المدني المشارك  بكلية الحقوق- جامعة عدن المحاضر في المعهد العالي للقضاء 

يُعد توقيع المحامي المقبول أمام المحكمة العليا على عريضة الطعن بالنقض إجراءً جوهرياً، أوجب القانون أن يستكمله شكل العريضة، والتوقيع الذي عناه المشرع هو الذي يعبر عن أن العريضة صادرة عن محامٍ مقبول للترافع أمام المحكمة العليا، ومعدة من قبله، لتتحقق الغاية من اشتراط التوقيع، وهي التأكد من أن الصحيفة معدة إعدادًا سليمًا من حيث الصياغة والعرض القانوني، بما يوفر على المحكمة عناء الوقوف على عناصر النزاع وما يستهدفه الطاعن من طعنه؛ ونتيجة ذلك فإن صحيفة الطعن التي لم تستوف هذا الشكل الذي يوجبه القانون؛ تكون مشوبة بالبطلان، ولا تنتج أي أثر قانوني؛ مما يتعين عدم قبول تلك العريضة. 

ولقد عرَّف قانون المحاماة اليمني - في المادة الثانية منه- (الترخيص) بأنه: (الوثيقة التي بموجبها يحق للمحامي ممارسة مهنة المحاماة والصادرة طبقًا لأحكام هذا القانون)، كما عرَّف - في ذات المادة- (المحامي)، بأنه: (الشخص المقيد اسمه في جداول قيد المحامين والمرخص له بمزاولة المهنة طبقًا لأحكام هذا القانون). 

وعرَّف (الجدول العـــــــــــام)، بأنه: (السجل المعد لدى نقابة المحامين لقيد المحامين والجداول الملحقة به). ولهذا فإن الجدول العام تتبعه جداول نوعية، حيث نصت المادة (31): من قانون المحاماة على أنه: (يلحق بالجدول العام، ثلاثة جداول نوعية هي: 

1- جداول المحامين المرخص لهم بمزاولة المهنة..

 2- جدول المحامين المقيدين غير المشتغلين بالمهنة. 

3- جدول المحامين تحت التمرين) ويندرج تحت النوع الأول ثلاثة جداول فرعية: هي:

 أ- جدول المحامين المقبولين للترافع أمام المحاكم الابتدائية..

 ب- جدول المحامين المقبولين للترافع أمام محاكم الاستئناف..

 ج- جدول المحامين المقبولين للترافع أمام المحكمة العليا). ولهذا فإن هذه الجداول النوعية هي جداول تتعلق بالنظام العام الذي تقوم عليه مهنة المحاماة، ولأجل ذلك فإن القيد في الجدول العام لا يكفي لمباشرة مهنة المحاماة، بل لا بد من أن يكون الشخص مقيدًا في جداول المحاميين المرخص لهم بمزاولة مهنة المحاماة، أضف إلى ذلك أنه عند مزاولة المهنة فإن المحامي لا بد أن يقف عند حدود الترخيص الممنوح له وفق الجدول النوعي الفرعي المقيد فيه اسمه؛ لأن الالتزام بذلك يتعلق بالنظام العام، وأي تجاوز أو مخالفة لذلك يترتب عنه بطلان العمل الذي يقوم به المحامي خارج حدود الترخيص الممنوح له، إلا لو استند في ذلك العمل إلى مسوغ قانوني آخر، كأن يكون الشخص زوجًا لموكله أو قريبًا أو صهرًا لموكله إلى الدرجة الرابعة، وهذا ما قضت به المادة (117) من قانون المرافعات اليمني، التي نصت على أنه: (مع مراعــــاة ما ينص عليه قانون المحاماة والمادة (125) من هذا القانون يقبل وكيلاً عن الخصم المحامون والأزواج والأقارب والأصهار الى الدرجة الرابعة وتثبت الوكالة بصك رسمي معتمد أو بإقرار الموكل أمام المحكمة إذا كان حاضـرًا ويثبت ذلك في محضر الجلسة)، ومع هذا فإن المادة (39) من قانون المحاماة قد قيدت هذه المادة بأن حصرت وكالة الأقارب والأصهار في غير القضايا المنظورة أمام المحكمة العليا، إذ نصت المادة (39) من قانون المحاماة، على أنه: (أ- لا يجوز للمحاكم على اختلاف درجاتها والنيابة العامة والجهات الرسمية والإدارية المختلفة قبول وكالة أي شخص غير حائز على ترخيص مزاولة المهنة صادر طبقاً لأحكام هذا القانون، ويجوز للمتقاضين أنفسهم في غير القضايا المنظورة أمام المحكمة العليا أن ينيبوا عنهم في المرافعة أزواجهم وأصهارهم وذوي قرابتهم حتى الدرجة الرابعة)، كما نصت المادة (38) من قانون المحاماة على أنه: (يشترط لمزاولة مهنة المحاماة ما يلي: 

أ- أن يكون المحامي حاصلاً على الترخيص لمزاولة المهنة طبقًا لأحكام هذا القانون). 

كما نصت المادة (295) من قانون المرافعات في صدرها على أنه: (أ - يرفع الطعن بالنقض بعريضة موقعة من الطاعن أو من محامٍ مقبول أمام المحكمة العليا إن طلبت ...). 

وإزاء صراحة هذه النصوص فإنه يَضحَى من غير الجائز والمقبول الانحراف عن صريح عبارات النصوص واعتناق تفسير يناقض هذه العبارات الواضحة الجلية والقاطعة الدلالة على المقصود منها؛ إذ لا اجتهاد مع صراحة النصوص في هذا الخصوص، فالمشرع قد حرص على أن تكون عريضة الطعن أمام المحكمة العليا في القضايا الجنائية موقعة من محامٍ مقبول الترافع أمام المحكمة العليا، وكذا في القضايا المدنية إذا خلت العريضة من توقيع الطاعن نفسه، وذلك من ناحية تأكيده على الالتزام بالقانون، بأن لا يُسمح لأحد المحاميين غير المرخص لهم بمزاولة مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا، بأن يوقع على عريضة الطعن، لكونه غير مرخص له بذلك، ومن ناحية ثانية فإن المشرع قد قصد من توقيع المحامي - المرخص له مزاولة مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا- على عريضة الطعن بالنقض، رعاية الصالح العام وتحقيق الصالح الخاص في ذات الوقت؛ لأن إشراف محام على تحرير عرائض الطعن من شأنه مراعاة أحكام القانون في تحريرها، وبذلك تنقطع المنازعات التي تنشب كثيرًا بسبب قيام من ليس لهم خبرة بممارسة هذه الشؤون ذات الطبيعة القانونية؛ بما يعود بالضرر على ذوي الشأن، فإذا أغفل هذا الإجراء وقدمت العريضة دون أن تحمل توقيعاً لمحام مقبول للمرافعة أمام المحكمة العليا؛ لحق البطلان العريضة من الناحية الشكلية، وتوجب على دائرة فحص الطعون في المحكمة العليا التقرير بعدم قبول العريضة لتوقيعها من قبل محام غير مقبول ترافعه أمام المحكمة العليا..  ولا يغير من ذلك أن المشرع لم يرتب البطلان بلفظه جزاءً على مخالفة حكم المادة آنفة البيان؛ لأن الوجوب الذي قررته انتهى إلى ترتيب البطلان جزاءً على مخالفة هذا الإجراء، وإلا ما الفائدة من الجداول النوعية التي تضمنها قانون المحاماة.. وما معنى أن ينص المشرع في قانون المحاماة على أنه: (لا يجوز للمحاكم على اختلاف درجاتها والنيابة العامة والجهات الرسمية والإدارية المختلفة قبول وكالة أي شخص غير حائز على ترخيص مزاولة المهنة صادر طبقاً لأحكام هذا القانون)؟، وما معنى: (أن يكون الترخيص صادرًا طبقـًا لأحكام هذا القانون)؟ الواردة في أكثر من مادة من مواد قانون المحاماة؟ أليس ذلك تأكيدًا على ضرورة حصول المحامي على ترخيص، وأن يلتزم نطاق الترخيص الممنوح له، وأن ذلك يتعلق بالنظام العام الذي يترتب على مخالفته البطلان المطلق؟. 

إن اشترط المشرع أن تُوقَّع عريضة الطعن من محام مقيد بجدول المحامين المقبولين أمام المحكمة العليا؛ يعد ضماناً لتوفر الخبرة المناسبة في هذا الشأن، والإلمام الكامل بالإجراءات أمام المحكمة العليا، وهي الحكمة التي تغيَّاها المشرع في قانون المحاماة المنظم لهذه المهنة المعاونة للقضاء في أداء رسالته السامية، عندما أنشأ جداول للقيد بها بحسب درجة كل محكمة، وبعد انقضاء مدة خبرة حددها، بما يضمن تحقق الهدف المبتغى من درجات القيد.

 لقد اختص المشرع المحكمة العليا؛ لكونها على قمة مدارج التنظيم القضائي، وبما تحمله من اختصاص، وما تصدره من أحكام لا معقب عليها، ولكونها محكمة قانون؛ كان لا بد أن تأتي عريضة الطعن المقامة أمامها على الوجه الذي حدده نص القانون، فإن جاءت خلوًا من أي بيان اشترطه القانون -مثل توقيع محام من المقبولين أمامها-؛ كان لها أن تحكم ببطلان تلك العريضة، كون اشتراط توقيع العريضة من محام مقبول أمام المحكمة العليا، هو أمر جوهري، يترتب على مخالفته البطلان.

 وإذا كان المشرع اليمني في المادة (295) قد أعطى الطاعن شخصياً الحق في التوقيع على عريضة الطعن في القضايا المدنية والتجارية، على غير ما هو مقرر في القضايا الجنائية؛ فإن خلو عريضة الطعن من توقيع الطاعن بشخصه، والاكتفاء بتوقيع محاميه المرخص له لمباشرة المهنة أمام محاكم الاستئناف أو المحاكم الابتدائية؛ يجعل العريضة غير مقبولة، لبطلانها، بسبب أن المحامي غير مرخص له مزاولة مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا. 

علماً أنه لا يصحح هذا البطلان -بعد ذلك- توقيع الطاعن نفسه أو محام مقبول أمام المحكمة العليا على العريضة، إلا إذا تم ذلك خلال سريان ميعاد الطعن، أما إن حصل ذلك بعد فوات ميعاد الطعن؛ فلا يكون لتوقيع الطاعن بشخصه أثر في تصحيح البطلان، وتظل العريضة مشوبة به، ويغدو متعيناً القضاء بذلك؛ نزولاً على صراحة النصوص القانونية على النحو السالف بيانه. والله أعلم..  

نسخة pdf ⬇️

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.