بسم الله الرحمن الرحيم
الرضا أساس نظام التحكيم
المحامي الدكتور هشام قائد عبدالسلام الشميري
يُعد نظام التحكيم ذو نشأة اتفاقية يستند إلى وجود إتفاق مكتوب على اللجوء إلى التحكيم وعلى إرادة الأطراف المتفقة على التحكيم، فلا يتصور قيام منازعة تحكيمة بغير وجود إتفاق على الإلتجاء إلى التحكيم، سواءً كان هذا الإتفاق وارداً في صورة شرط تحكيم وارد في العقد الاصلي أو في صورة مشارطة لاحقة على نشأة النزاع أو في صورة مكاتبات ومراسلات بين طرفي الإتفاق، فالمحكم يستمد ولايته في الحكم في الخصومة التحكيمية من اتفاق الطرفين على اختياره وتوقيعهما على وثيقة التحكيم المكتوبة له وانعدام هذا الاتفاق يؤدي إلى انعدام ولايته ومن ثم انعدام الحكم الصادر منه لفقدانه ركناً من أركانه الأساسية وهو الولاية. ولذلك لامحل للحديث عن تحكيم إجباري أو قسري، فلا يجوز أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين سواءً كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، ولا يمكن اللجوء إلى التحكيم إلا إذا كان هناك اتفاق تحكيم مكتوب حرر بشكل معبر على إرادة الطرفين في اللجوء إلى التحكيم. ويُعتبر الرضا"الإرادة" هو جوهر وأساس التحكيم وركن من أركانه الأساسية اللازمة لوجوده القانوني، حيث أن الرضا يعد مقتضى من مقتضيات وجود اتفاق التحكيم يترتب على انتفائه انعدام اتفاق التحكيم وتجريده من وجوده القانوني؛ وذلك لأن اتفاق التحكيم باعتباره عملاً قانونياً تُعد الإرادة فيه ركناً أساسياً من أركانه اللازمة لوجوده وفقاً للقواعد العامة حيث يتطلب لوجوده وإنتاج آثاره القانونية أن يكون صادراً عن إرادة يُعتد بها القانون فإذا صدر من شخص لا إرادة له فإنه لا يعتد به ويكون الاتفاق ليس باطلاً فحسب بل منعدماً. فإتفاق التحكيم أياً كانت صورته مشارطة تحكيم أو شرط تحكيم يعد تصرفاً قانونياً يتم بإرادتين شأنه في ذلك شأن أي تصرف قانوني أخر، فهو يُعد تصرف إرادي يرد على محل معين لإحداث أثر قانوني معين بحيث يرجع في شان اتفاق التحكيم إلى القواعد العامة في العقود وإلى القواعد الخاصة في قانون التحكيم، حيث أن اتفاق التحكيم لا يخرج عن كونه عقدا بين طرفين يخضع للقواعد العامة للعقود المنصوص عليها في القانون المدني من حيث أركان وشروط انعقاده بما لا يتعارض مع نصوص قانون التحكيم فهو يحتاج لانعقاده جميع ما يحتاجه أي عقد آخر من الأركان والشروط، ومن أهم الأركان الأساسية اللازمة لوجود اتفاق التحكيم ركن الرضا الذي يتم بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين صادرتين عن تراض واختيار حر صريح يقطع برغبتهم في اللجوء إلي التحكيم، حيث أن اتفاق التحكيم عقد ملزم ينعقد بالتراضي الذي يتحقق بالايجاب والقبول والذي يوجد التحكيم بوجوده وينعدم بانعدامه باعتباره ركناً أساسياً من أركانه لا ينعقد بدونه؛ ومرجع ذلك أن التحكيم والاتفاق عليه من التصرفات القانونية ذات الخطر لما في ذلك من نزع الاختصاص بنظر النزاع بين طرفي الاتفاق من قضاء الدولة ومن ثم يتعين التيقن من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى إبرام اتفاق التحكيم عن إرادة واضحة ويقين قاطع. هذا ما قررته نصوص قانون التحكيم، فقد عرفت المادة(2) من قانون التحكيم التحكيم بأنه(إختيار الطرفين برضائهما شخصاً آخر أو أكثر للحكم بينهما دون المحكمة المختصة فيما يقوم بينهما من خلافات أو نزاعات)، وعرفت أيضاً إتفاق التحكيم بأنه(موافقة الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم والتي تشملها وثيقة التحكيم"أي عقد مستقل" أو شرط التحكيم"أي بند في عقد")، كما نصت المادة(4) من قانون التحكيم على أنه(ينعقد التحكيم بأي لفظ يدل عليه...). ويقتضي للرضا بالتحكيم تحقق الإيجاب والقبول لكلا الطرفين وتلاقي إرادتهما على اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بينهما، حيث تتوافق إرادة المتعاقدين بصدور إيجاب من أحد الأطراف وقبول من الطرف الآخر على إنشاء اتفاق التحكيم، فيتحقق الرضا بالتحكيم بموجب الإيجاب والقبول وذلك عن طريق تعبير احد اطراف العلاقة القانونية برغبته في اختيار التحكيم للفصل في النزاع والخلاف الذي حدث بينه وبين الطرف الآخر وموافقة الطرف الآخر على هذا الإيجاب، فالرضا في اتفاق التحكيم هو اتخاذ التحكيم وسيلة للفصل في النزاع القائم بين المحتكمين أو النزاع الذي قد يحدث في المستقبل بينهم.فاتفاق التحكيم شرطًا كان أم مشارطة هو عقد حقيقى له سائر شروط وأركان العقود عمومًا، والتراضى ركن لا يقوم بدونه اتفاق التحكيم، وجوهره تقابل إرادتين متطابقتين للطرفين الراغبين في اتخاذ التحكيم سبيلاً لتسوية منازعاتهما بعيدًا عن قضاء الدولة صاحب الولاية العامة في نظر كافة المنازعات أيًا كان نوعها وأيًا كان أطرافها، فإذا عبر أحد الطرفين إيجاباً عن رغبته في تسوية النزاع عن طريق التحكيم فانه يلزم أن يكون قبول الطرف الآخر باتًا ومنتجًا في إحداث آثاره حتى يمكن القول بوجود تطابق حقيقى بين إيجاب وقبول طرفى التحكيم على نحو لا يتطرق إليه أى شك أو احتمال أو جدل. وتقتضي الإرادة"الرضا" المُعتبرة في اتفاق التحكيم باعتباره عملاً قانونياً القدرة على الإدراك والتمييز وكذا القدرة على الاختيار، فهاتين القدرتين هما الأساس الذي تقوم عليه الإرادة، بحيث إذا انعدمت أحدهما أو كلتاهما انعدمت الإرادة، فلا يُعتد بالإرادة إلا إذا كانت صادرة من شخص لديه القدرة على الإدراك والتمييز والقدرة على الاختيار، فتوجد الإرادة كلما كان العمل القانوني صادراً ممن له القدرة على الإدراك والتمييز والقدرة على الاختيار، فإذا صدر العمل ممن ليس لديه هذه القدرة فإن الإرادة تكون منتفية، فالإرادة توجد كلما كان العمل القانوني صادراً ممن له القدرة على الإدراك والتمييز والقدرة على الاختيار وتنعدم وتنتفي الإرادة كلما كان العمل صادراً ممن انعدمت أو انتقصت لديه هذه القدرة. وتتأثر القدرة على الإدراك والتمييز بالجنون والعته وصغر السن، كما تتأثر القدرة على الاختيار بالإكراه الذي يعدم أو ينقص القدرة الذاتية للشخص على اختيار أفعاله، فالإرادة تنتفي إذا انعدمت لدى الشخص القائم بالعمل القدرة على الإدراك والتمييز أو انعدمت لديه القدرة على الاختيار أو أن أياً من هاتين القدرتين لم تنعدم ولكنها نقصت إلى حد يجعلها أقل من القدر الذي يكفي لفهم خطاب الشارع. ولذلك فإن انعدام أو انتفاء الإرادة"الرضا" في اتفاق التحكيم يتحقق في حالة ما إذا صدر ممن ليس له القدرة على الإدراك والتمييز التي تُعد مناط الأهلية أي ممن لم يكن كامل الأهلية سواءً أكان تمييزه وإدراكه منعدماً أي كان عديم الأهلية كالصبي غير المميز والمجنون والمعتوه أم كان تمييزه وإدراكه ناقصاً أي كان ناقص الأهلية كالصبي المميز والسفيه أو المُغفل لأن ما يصدر من هؤلاء لا يُعتبر إرادة لأنهم لا يميزوا ما يفعلوا، ويتحقق أيضاً انعدام أو انتفاء الإرادة في اتفاق التحكيم في حالة ما إذا صدر ممن ليس لديه القدرة على الاختيار التي تُعد مناط التكليف كالمُكره لان إرادة المُكره لا تتجه نحو مباشرة واقعة معينة وإنما تنساق إليها تحت ضغط الإكراه فالشخص المُكره لم يرد العمل القانوني ولم تتجه إرادته حقيقة إلى الواقعة المادية أو إلى مظهر العمل وإنما أجبر على هذا لذا لا يمكن القول بوجود الإرادة. ونظراً لخصوصية اتفاق التحكيم استلزم المشرع لانعقاده إلى جانب التراضي"الايجاب والقبول" ضرورة كتابة اتفاق التحكيم، فلا يكفي لانعقاد اتفاق التحكيم مجرد التراضي وإنما يتطلب لانعقاده إلى جانب ذلك استيفاء شكل الكتابة بأن يكون الاتفاق مكتوباً، فيجب لوجود اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً حتى يستكمل وجوده باعتبار الكتابة هي الشكل القانوني الذي يتخذ وسيلة للتعبير عن الإرادة الذي يعد هو مظهرها الخارجي وعنصرها المادي المحسوس وعندما يحيط المشرع العمل القانوني بأشكال تجعل من المفروض وجود الإرادة إذا احترمت فإنه يفترض لوجود الإرادة فيه توافر ذلك الشكل القانوني مثل كتابة اتفاق التحكيم التي جعلها القانون شرطا لازماً لانعقاد ووجود اتفاق التحكيم، ولذلك يتحقق انتفاء الإرادة"الرضا" في اتفاق التحكيم إذا لم يكن الاتفاق مكتوباً باعتبار المشرع قد اشترط لانعقاد اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً وإلا كان الاتفاق منعدماً. فإتفاق التحكيم وإن كان يُعد عقد كأي عقد تسري عليه القواعد العامة للعقود إلا أن مجال ذلك مشروطاً بأن لا يتعارض ذلك مع نصوص قانون التحكيم الذي يعد قانون خاص يقدم في التطبيق على القانون المدني الذي يعد قانون عام وذلك لخصوصية إتفاق التحكيم التي تميزه عن غيره من العقود، ومن ذلك ما اشترطه المشرع في المادة(15) من قانون التحكيم لانعقاد اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً فقد اعتبر المشرع كتابة اتفاق التحكيم ركناً شكلياً لازماً لوجود وانعقاد اتفاق التحكيم فلا ينعقد اتفاق التحكيم مالم يكن مكتوباً وإلا كان الاتفاق منعدماً؛ وعلة استلزام الكتابة سواء لوجود اتفاق التحكيم أو لإثباته مرجعها أن التحكيم والاتفاق عليه من التصرفات القانونية ذات الخطر لما في ذلك من نزع الاختصاص بنظر النزاع بين طرفى الاتفاق من قضاء الدولة الذى يتعين عليه الامتناع عن الفصل في أى دعوى يتمسك فيها الخصم بوجود اتفاق تحكيم ويعترض منكرًا أى حق لخصمه في الالتجاء إلى القضاء، ولما يتضمنه اتفاق التحكيم من مخاطرة الطرفين ببعض أو كل حقوقهم لانعدام الفرصة في الطعن على حكم هيئة التحكيم بأى طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية ومن ثم يتعين التيقن من أن إرادة الأطراف اتجهت إلى إبرام اتفاق التحكيم عن إرادة واضحة ويقين قاطع. ولا يفرق بين عدم كتابة اتفاق التحكيم وبين خلو الورقة المثبتة للكتابة من توقيع أطرافه حيث يكون الاتفاق منعدماً إذا لم يكن مكتوباً أو إذا لم يكن موقعاً ممن ينسب إليه لأن ركن الكتابة لا يستكمل مقوماته إلا بالتوقيع من الشخص القائم بالعمل على الورقة المثبتة للكتابة فعدم التوقيع يحول دون ظهوره من الناحية الواقعية، ويدخل في ذلك حالة تزوير المحرر المثبت له ونسبته زوراً إلى الشخص المنسوب إليه حيث أن اتفاق التحكيم المزور يكون منعدماً لأن ذلك يُعد من قبيل عدم مباشرة العمل القانونيً. ولذلك فإنه يستلزم لوجود اتفاق التحكيم أن يكون الاتفاق مكتوباً وموقعاً من أطرافه وأن ينصب التوقيع على إرادة إبرام اتفاق التحكيم وإلا كان الاتفاق منعدماً لتخلف ركنه الشكلي اللازم لوجوده وانعقاده وذلك وفقا لنص المادة(15) من قانون التحكيم. وفي ذلك قضت المحكمة العليا اليمنية في حكمها الصادر من الدائرة التجارية في الطعن رقم(22782)لسنة 1426ه جلسة 16/ 5/ 2005م بقولها:(أن ولاية المحكم مستمدة من اتفاق الطرفين على اختياره وتوقيعهما على وثيقة التحكيم له وإن الكتابة لاتفاق التحكيم شرط لانعقاده وعلى ذلك فان المحكمة وصاحب ولاية خاصة يستمدها من اتفاق التحكيم المكتوب وبدونه يعتبر شخص غير ذي ولاية في إصدار حكم التحكيم وحيث يترتب على انعدام الولاية انعدام الحكم فإن صدور حكم تحكيم من شخص ليس له ولاية في إصداره يعد حكم منعدما لانعدام أحد أركان الحكم الأساسية وقوام وجوده..) وهو ذات ما قضت به الدائرة المدنية في الطعن رقم(33262) جلسة 1/12/2009م وفي حكمها الصادر في الطعن رقم(26207)لسنة 1427ه جلسة 18/11/2006م. ويدخل في ذلك حالة ما إذا تم اتفاق التحكيم بدون علم من نسب إليه ودون تفويض منه كاتفاق التحكيم المبرم من الغير دون إذن أو تفويض من الشخص الذي ينسب إليه، فاتفاق التحكيم يعد عقداً مثله مثل غيره من العقود ينبغي أن تتوفر الصفة العقدية في أطرافه، ولا تتحقق هذه الصفة إلا إذا كان الخصم الأصيل نفسه هو الذي يقوم بالتوقيع على اتفاق التحكيم أو ينوب عنه وكيل بموجب توكيل خاص صادر من الأصيل قبل إبرام اتفاق التحكيم، فالتحكيم يعد من ضمن التصرفات التي تحتاج إلى توكيل خاص قبل وقوعها ولا يكفي فيه التوكيل العام نظراً لخطورة الآثار المترتبة على التحكيم، فلا تكفي الوكالة العامة للتحكيم بل لابد من وكالة خاصة تخول الوكيل الاتفاق على التحكيم، ولابد من أن تكون الوكالة مكتوبة فلا تكفي الوكالة الشفهية لأن التصرف الموكل فيه"اتفاق التحكيم" يجب أن يكون مكتوباً كذلك الوكالة فيه يجب أن تكون مكتوبة أيضاً إعمالاً لقاعدة الفرع يتبع الأصل في الحكم. وفي هذا المعنى نصت المادة(913) من القانون المدني على أن(الوكالة الخاصة لابد فيها من النص في كل عمل ليس من أعمال الإدارة وبوجه خاص البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والخصومة)، وبذلك يظهر أن المشرع اشترط في القانون المدني للوكالة في التحكيم توكيلا خاصاً يصدر من الأصيل يتضمن النص صراحةً على تخويل الوكيل التحكيم والتوقيع على اتفاق التحكيم نيابةً عنه ويتضمن أيضا النص صراحةً على تخويل الوكيل اختيار المحكم أو هيئة التحكيم ويتضمن كذلك تحديد موضوع التحكيم محل التوكيل. كما يشترط أن يصدر التوكيل الخاص بالتحكيم قبل توقيع الوكيل على اتفاق التحكيم حتى تكون للوكيل صفة عند توقيعه على اتفاق التحكيم، حيث أن صفة الوكيل في التوقيع على اتفاق التحكيم يستمدها من التوكيل الخاص الصادر له من الأصيل، لأن المحكم يستمد ولايته في نظر الخصومة التحكيمية من توقيع الخصوم على اتفاق التحكيم الذي يستمد منه المحكم ولايته، وبناءً على ذلك فانه لا يجدي صدور التوكيل الخاص بالتحكيم بعد التوقيع على اتفاق التحكيم. وهذا ما يستشف من دلالة اقتضاء نص المادتين(2،4) من قانون التحكيم فقد عرفت المادة(2) اتفاق التحكيم بأنه(موافقة الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم والتي تشملها وثيقة التحكيم"أي عقد مستقل" أو شرط التحكيم"أي بند في عقد") كما نصت المادة(4) على أن(ينعقد التحكيم بأي لفظ يدل عليه وقبول من المحكم ولا يجوز إثبات التحكيم إلا بالكتابة). وهو ذات ما قضت به المحكمة العليا صراحة في الحكم الصادر عن الدائرة المدنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 6-4-2014م في الطعن رقم (54631) الذي ورد ضمن أسبابه ما نصه(وحيث أن الحكم ألاستئنافي المطعون فيه قد جاء موافقاً من حيث النتيجة للقانون لقضائه ببطلان حكم التحكيم لما علل به وأستند عليه لقضائه بانعدام صفة الطاعنين في التحكيم لعدم وجود وكالتين لهما خاصتين بالتحكيم، أما ما ورد من الطاعنين وهو صورتا الوكالتين المرفقتين بعريضة طعنهما بالنقض فقد ظهر من تاريخهما إنهما لاحقتان ومن ثم يترتب على عدم الصفة للطاعنين بطلان وثيقة التحكيم وبطلان حكم التحكيم الصادر بموجبهما، فما بني على الباطل باطل). ولايكفي أن يتوافر الرضا لدى أطراف اتفاق التحكيم بل يجب أن تتجه إرادتهما إلى إحداث الأثر القانوني الذي يرتبه الاتفاق بأن تتجه إرادة الطرفين بوضوح إلى التحكيم، فيجب أن تكون إرادة الاطراف في اللجوء إلى التحكيم واضحة وصريحة ومحددة، ومن ثم فإن اتفاق التحكيم لايقوم إلا إذا اتجهت إرادة الطرفين بوضوح إلى التحكيم، وبناءً على ذلك إذا كان الرضا صورياً انتقى الرضا لانتقاء الإرادة إلى إحداث الأثر القانوني الذي يرتبه الاتفاق. ونظراً للطبيعة الخاصة للتحكيم وكونه استثناء من الأصل العام في تنازل الأطراف عن حقهم في التقاضي أمام قاضيهم الطبيعي فإنه يجب أن يكون الاتفاق على التحكيم مكتوباً وواضحاً وصريحاً حتى يستخلصه القاضي في تفسيره للعقد أي يجب أن تكون إرادة الخصوم في اللجوء إلى التحكيم واضحة ومحددة، فالتحكيم يعد نظاما استثنائيا يجب أن يفسر تفسيراً ضيقاً دون التوسع فيه وأن الشك يفسر ضد التحكيم لأن التحكيم يعد استثناء من الأصل العام والاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه. ويستوي في جميع الأحوال أن يكون اللجوء إلى التحكيم قد تقرر بمقتضى شرط تحكيم أو بمقتضى مشارطة التحكيم، حيث يتحقق التراضي على اتفاق التحكيم في شأن شرط التحكيم بالمفاوضات التى تدور بين الطرفين حول بنود العقد الأصلى وشروطه ومن بينها شرط التحكيم باعتباره عقداً مستقلاً داخل العقد الأصلي وإثبات التراضى على ذلك كتابة والتوقيع عليه منهما لما أشترطته المادة(15) من قانون التحكيم لوجود اتفاق التحكيم من أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً، بينما يتحقق التراضي على اتفاق التحكيم في شأن مشارطة التحكيم بقبول مبدأ التحكيم ذاته كموضوع للمشارطة وإثبات التراضي على ذلك كتابةً والتوقيع عليه منهما لما أشترطته المادة(15) من قانون التحكيم لوجود اتفاق التحكيم من أن يكون مكتوباً. وقد تكون الإرادة"الرضا" موجودة لكنها مشوبة بعيب من عيوب الإرادة "الغلط أو التدليس أو الغش"، وهنا لا تنتفي الإرادة وإنما تكون معيبة، فلا يكفي وجود إرادة القائم بالعمل القانوني وإنما يتطلب أن تكون هذه الإرادة سليمة غير مشوبة بعيب من عيوب الإرادة، حيث يشترط صدور التعبير عن الإرادة سليماً خالياً من عيوب الرضا، فلا يجوز تعييب إرادة الأطراف بأي عيب من عيوب الرضا وإلا كان اتفاق التحكيم قابلاً للإبطال. والغلط يقوم في ذهن المتعاقد حيث يصور له الامر بغير حقيقته مما يدفعه إلى التعاقد ويشترط أن يكون الخطأ جوهرياً ومؤثراً فإذا اثبت المتعاقد أنه كان واقعاً في خطأ جوهري لولاه لما أبرم اتفاق التحكيم فإن اتفاق التحكيم يكون قابلاً للإبطال. أما التدليس فلا يُعد عيباً في ذاته وإنما لما يؤدي إليه من وقوع الشخص المدلس عليه في غلط نتيجة له وينظر في التدليس كعيب من عيوب الإرادة أو كدافع إلى عيب فيها إلى إرادة المدلس عليه لا إلى إرادة المدلس.
والله ولي الهداية والتوفيق،،،،