#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
المحامي الدكتور/ هشام قائد عبدالسلام الشميري
إذا كان الحكم منعدماً أنتفت عنه صفة الحكم ولا يكتسب حجية وقوة الأمر المقضي ولو استنفذت طرق الطعن فيه ولا يرتب أياً من الآثار التي تترتب على اكتساب الحكم لحجية وقوة الأمر المقضي
وبناءً على ذلك اتجه الفقه إلى أن الحكم المنعدم لا يمنع من إعادة طرح الدعوى من جديد، وبالتالي إجازة الدفع بانعدام الحكم عند نظر الدعوى من جديد، وأيضاً إجازة الدفع بانعدام الحكم عند التمسك بحجيته بمناسبة نظر دعوى أخرى.
وهذا ما قرره المشرع اليمني صراحة في المادة (57) من قانون المرافعات التي أجاز فيها مواجهة الحكم المنعدم بدفع أمام قاضي الموضوع، ويكون ذلك عندما تُثار مسألة عدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها بحكم قضائي أو عندما تُثار مسألة حجية الحكم القضائي في دعوى أخرى، فيجوز التمسك بانعدام الحكم عن طريق الدفع أمام قاضي الموضوع في أي خصومة يجرى التمسك فيها بالحكم المنعدم، سواءً بشأن ذات الدعوى الصادر فيها الحكم المنعدم أو بشأن دعوى أخرى.
فالانعدام جزاء إجرائي يقع بقوة القانون دون حاجة إلى حكم قضائي لتقريره، ويجرد الحكم القضائي من وجوده القانوني ومن جميع آثاره القانونية، فلا يحوز الحكم المنعدم حجية الأمر المقضي به، ومن ثم يجوز لذي المصلحة المدعي أو المدعى عليه تجاهله وإعادة رفع الدعوى مرة ثانية بنفس موضوع وسبب وأطراف الحكم المنعدم مفترضاً عدم وجوده ولو أمام المحكمة التي أصدرته، وعندها يكون على القاضي الذي رفعت أمامه الدعوى الجديدة الفصل في ذات الدعوى مجدداً متى اتصلت به اتصالاً صحيحاً مطابقاً للقانون دون الاعتداء بذلك الحكم المنعدم؛ لأن الحكم المنعدم ليس له وجود قانوني ويعد هو والعدم سواء، فلا تلحقه أي حجية ولا يستنفذ ولاية المحكمة، ويكفي لدحضه إنكاره عند التمسك به والتمسك بانعدامه.
ولذلك فقد ذهب جانب من الفقه الإجرائي إلى أنه إذا تمسك المدعى عليه أمام المحكمة المنظور أمامها الدعوى أنه قد سبق الفصل فيها بحكم قضائي أو إذا دُفع أمامها بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، ودفع الخصم الآخر بانعدام الحكم السابق، فإن على المحكمة أن تبحث مسألة انعدام الحكم، فإذا تبين لها أن الحكم السابق له وجود قانوني ولا يعتوره الانعدام تعين عليها القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، وإذا تحققت من أن الحكم السابق منعدماً قضت بانعدامه ومضت في نظر الدعوى من جديد كأنها تُعرض عليها للمرة الأولى، إذ يكفي إنكار وتجاهل الحكم المنعدم والتمسك بعدم وجوده.
غير أن البعض من أنصار هذا الرأي استثنوا من ذلك الأحكام الصادرة من محكمة أعلى درجة من تلك المنظور أمامها الدعوى الجديدة، فقد ذهبوا إلى أن تعرض المحكمة للحكم المنعدم لا يكون بالنسبة للأحكام الصادرة من محكمة أعلى درجة من تلك المنظور أمامها الدعوى الجديدة، فإذا كان الحكم المنعدم صادراً من محكمة أعلى درجة من تلك المنظور أمامها الدعوى الجديدة لا يكون لها التعرض للحكم المنعدم وتقرير انعدامه، وإنما يكون للمحكمة إذا ظهر جدية الدفع بالانعدام الحكم بوقف الدعوى الجديدة مؤقتاً لحين الحكم من المحكمة المختصة في الدفع بالانعدام أو دعوى الانعدام الأصلية. بينما ذهب البعض إلى أنه إذا طرح على محكمة الدرجة الأولى دفاع يتعلق بانعدام حجية حكم استئنافي فانه يتعين عليها التصدي لهذا الدفاع تمكيناً من الفصل في الدعوى المروحة عليها التي قدم فيها هذا الدفاع، وحينئذ تبحث أوجه الدفاع لا لتقضي بانعدام الحكم الاستئنافي وإنما لتتحقق من مدى صحة الدفاع، فان تبين لها أن الحكم الاستئنافي تجرد فعلاً من أركانه فإنها تطرحه ولا تعتد به عند إقامة قضائها.
وإن كنا نؤيد الرأي السابق الذي يخول محكمة الموضوع التي تنظر الدعوى الجديدة سلطة التعرض للحكم المنعدم؛ لأنه ليس في هذا المسلك ما يناقض القانون، فقد اشترط المشرع اليمني في المادة (12) من قانون المرافعات لإعمال المانع القانوني المقرر في هذه المادة أن يكون الحكم السابق موجوداً وقائماً، ومن ثم فلا مجال لإعمال هذا القيد إذا كان الحكم السابق منعدماً لفقدانه ركناً من أركانه الأساسية، إذ بانعدام الحكم تزول العقبة التي كانت تعترض سبيل النظر في الدعوى من جديد ويصبح متعيناً على محكمة الدرجة الأولى أن تفصل في موضوعها، فالشارع يعترف للناس بحق الادعاء أمام القضاء ويعطي للمحكمة التي يُعرض عليها الدعوى سلطة التحقق من توافر شروط قبولها، فإن تحققت من توافرها نظرت في الموضوع، وإن رأت عدم توافرها قضت بعدم القبول، ولا يعدو البحث في وجود حكم سبق صدوره في موضوع الادعاء أن يكون بحثاً في شروط قبول هذا الإدعاء.
كما أن المشرع اليمني في المادة(57) مرافعات قرر صراحةً تخويل محكمة الموضوع (قاضي الموضوع) المنظور أمامها الدعوى الجديدة سلطة الفصل في الدفع بانعدام الحكم السابق، ومحكمة الموضوع (قاضي الموضوع) هنا ليس المراد بها فقط نفس المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه، وإنما المراد بها أيضاً أية محكمة أخرى سواءً أكانت في نفس درجة المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه أو في درجة أعلى أو أدنى من درجة المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه.
ودليل ذلك أن المشرع قد أورد في صدر المادة(57) مرافعات عبارة" يتم مواجهة الحكم المنعدم أياً كانت المحكمة التي أصدرته بدفع أمام قاضي الموضوع"، والملاحظ أن عبارة (بدفع أمام قاضي الموضوع) قد جاءت بصيغة العموم، بحيث تشمل الدفع بالانعدام بصدد ذات الدعوى أمام محكمة الطعن التي تعد أعلى درجة من المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه، وتشمل أيضاً الدفع بالانعدام بصدد دعوى أخرى أُحتج فيها بالحكم المنعدم منظورة أمام نفس المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه أو أمام محكمة أخرى في نفس درجة المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه أو في درجة أعلى أو أدنى من درجة المحكمة مصدرة الحكم المدفوع بانعدامه. وليس أدل على ذلك أيضاً أن المشرع في هذه المادة قد أردف تلك العبارة بعبارة (أو بدعوى مبتدأه ترفع أمام المحكمة التي أصدرته أياً كانت درجتها)، والملاحظ أن عبارة (أمام المحكمة التي أصدرته) ترجع إلى دعوى الانعدام الأصلية المبتدأة ولا ترجع إلى الدفع بانعدام الحكم أمام قاضي الموضوع.
غير أننا نرى ضرورة التفرقة بشأن سلطة محكمة الموضوع التي رفع أمامها دعوى جديدة في الفصل في الدفع بانعدام الحكم السابق مستند الدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها بين فرضين هما:
1️⃣الفرض الأول: إذا كان الحكم المدفوع بانعدامه مستند الدفع بسبق الفصل في الدعوى صادراً من محكمة في نفس درجة المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجديدة أو في درجة أدنى، فانه يكون للمحكمة المنظور أمامها الدعوى الجديدة التعرض للحكم المنعدم وتقرير انعدامه، فإذا تبين لها أن الحكم السابق له وجود قانوني ولا يعتوره الانعدام تعين عليها القضاء بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها، وإذا تحققت من أن الحكم السابق منعدماً قضت بانعدامه ومضت في نظر الدعوى من جديد كأنها تُعرض عليها للمرة الأولى؛ وذلك إعمالاً لنص المادة(57) من قانون المرافعات اليمني التي قرر فيها المشرع صراحةً تخويل محكمة الموضوع (قاضي الموضوع) المنظور أمامها الدعوى الجديدة سلطة الفصل في الدفع بانعدام الحكم السابق.
2️⃣الفرض الثاني: إذا كان الحكم المدفوع بانعدامه مستند الدفع بسبق الفصل في الدعوى صادراً من محكمة أعلى درجة من تلك المنظور أمامها الدعوى الجديدة، فانه لا يكون للمحكمة المنظور أمامها الدعوى الجديدة التعرض للحكم المنعدم وتقرير انعدامه، وإنما يتعين عليها أن تبحث مسالة انعدام الحكم السابق من عدمه لا لتقضي بانعدامه وإنما لتتحقق من مدى صحة الدفع بسبق الفصل في الدعوى، حيث تعتبر سلطتها بشأن مسالة انعدام الحكم السابق سلطة بحث وليس سلطة حكم. فإذا تبين لها من الحكم السابق انعدامه، فإنها تطرحه ولا تعتد به عند إقامة قضائها، وتقرر رفض الدفع بسبق الفصل في الدعوى ونظر الدعوى الجديدة دون التقرير بانعدام الحكم السابق، فلا يكون لها التعرض للحكم المنعدم وتقرير انعدامه فإن فعلت ذلك كان حكمها منعدماً. أما إذا تبين لها من الحكم السابق توافر مقومات وجوده، فإنها تعتد به عند إقامة قضائها، وتقرر عدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها، وهذا لا يمنع المدعي الذي قُضي بعدم قبول دعواه من مواجهة الحكم المنعدم أمام المحكمة مصدرته لإلغائه وتقرير انعدامه. وأساس ذلك أن بحث محكمة الموضوع(قاضي الموضوع) المنظور أمامها الدعوى الجديدة مسالة انعدام حكم صادر من محكمة أعلى درجة اقتضته الضرورة باعتبار الوجود القانوني للحكم يُعد شرطاً من شروط الدفع بسبق الفصل في الدعوى، وإعمالاً للقاعدة الشرعية والأصولية التي تقرر أن الضرورة تقدر بقدرها فإن سلطة المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجديدة بشأن مسالة انعدام الحكم السابق الصادر من محكمة أعلى درجة تعتبر سلطة بحث وليس سلطة حكم، فلا يكون لها التعرض للحكم المنعدم وتقرير انعدامه، وإنما يتعين عليها أن تبحث مسالة انعدام الحكم السابق من عدمه لا لتقضي بانعدامه وإنما لتتحقق من مدى صحة الدفع بسبق الفصل في الدعوى؛ لان القول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة غير مقبولة تشكل إخلالاً بسلامة التنظيم القضائي، وهي تعرض محكمة أدنى درجة لحكم صادر من محكمة أعلى درجة منها، والقاعدة أن القضاء لا يسلط على قضاء أخر إلا اذا كان الأول أعلى درجة من الثاني، فلا يستقيم إسناد الاختصاص لمحكمة أدنى درجة في إزالة الوجود المادي للحكم الصادر من محكمة الدرجة الأعلى الذي قضى بتأييد حكمها المنعدم.
وفي ذلك قضت المحكمة العليا اليمنية بانعدام الحكم الصادر من المحكمة بشأن الدعوى أو الدفع بانعدام حكم من أحكام محكمة أعلى درجة منها. وقضت أيضاً بقولها: (إذا ظهر أمام محكمة الموضوع التي رفع أمامها دعوى بذات ما قضى به حكم التحكيم أن حكم التحكيم الذي سبق صدوره منعدماً ليس له وجود قانوني فإنه يجب عليها نظر الدعوى دون الالتفات إلى الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها).
والله ولي الهداية والتوفيق،،،،،