#اعرف_حقك_وقانونك⚖️
ولاية النيابة العامة في القضاء المدني
اعداد المحامي/ يحيى علي الجرفي
يسود الكثير من اللغط والخلاف أثناء تقديم الشكوى وبعد الاستدلالات بشأن وجود جانب جنائي من عدمه، وخاصة أن العادة قد جرت عند تقديم الشكوى إلى أعضاء النيابة العامة بتوجيه جهات الضبط القضائي بجمع الاستدلال ورفعها حال توفر جانب جنائي.
الأمر الذي دفعنا لإيضاح الجوانب المدنية التي تندرج ضمن اختصاصات النيابة العامة.
فالثابت من خلال نصوص القانون، سواء في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون إنشاء النيابة العامة، أن هناك جانباً مدنياً يدخل ضمن اختصاصات النيابة العامة، ومن واجبها التحقيق فيه ورفع الدعوى بشأنه أمام القضاء المدني، تماماً كما يتم اتخاذ إجراءات الاستدلال والتحقيق ورفع الدعوى الجزائية أمام القضاء الجزائي.
لقد أورد قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون إنشاء النيابة العامة عدداً من الاختصاصات المدنية المسندة إلى النيابة العامة للتحقيق فيها ورفعها أمام القضاء المدني والشخصي والتجاري، بصفتها مدعياً عاماً ونائباً عن المجتمع وحارس الدفاع الأول، الذي حرص المشرع على تنظيمه لحماية النظام العام.
فقد ورد في المادة (8) من قانون إنشاء النيابة العامة ما نصه: "في غير مواد الجرائم تقوم النيابة العامة برفع دعاوى الحسبة وجميع الدعاوى العامة ومباشرتها في كل ما يعتبر في الشريعة الإسلامية من الحقوق العامة إذا لم يكن للحق ولي يستوفيه، ويكون لها في هذه الحالات ما للخصوم من حقوق".
كما نصت المادة (126) من قانون المرافعات المدنية على أن "للنيابة العامة رفع الدعوى أو التدخل فيها في الحالات التي ينص عليها القانون، ويكون لها ما للخصوم من حقوق، وعليها ما عليهم من واجبات، إلا ما استثني بنص خاص، ولها رفع الدعاوى الخاصة بالقصار أو عديمي الأهلية أو ناقصيها أو التدخل فيها إن لم يكن لهم وصي أو ولي، وكذا الغائبين والمفقودين ودعاوى الحسبة الأخرى".
وقد نظم القانون حالات تدخل النيابة العامة أمام القضاء المدني ما بين حالات وجوبية وحالات جوازية، ويمكن ايجاز هذه الاختصاصات وفق الحالات المشار إليها كما يلي:
🔹️أولاً: الاختصاصات(المدنية) المسندة للنيابة العامة على سبيل الوجوب.
نصت المادة (9) من قانون إنشاء النيابة العامة على أنه تتدخل النيابة العامة وجوباً في الأحوال التالية:⬇️
الطعون أمام المحكمة الاستئنافية والعليا فيما يتعلق بمخالفة أحكام القانون أو الخطأ في تفسيره وتطبيقه.
دعاوى الزواج أو الطلاق أو الخلع أو التفريق بجميع أسبابه أو الطاعة أو النسب أو الحضانة أو الحفظ أو رؤية الصغير أو الإرث في حالة تولد حق عام.
الدعاوى المتعلقة بالقصر أو المحجور عليهم أو عديمي الأهلية أو المفقودين أو الغائبين أو الوصايا أو الهبات أو الإعسار أو شهر الإفلاس أو الأوقاف ما لم يكن لها ولي يستوفي حقها.
دعاوى تنازع الاختصاص بين جهات القضاء.
الدعاوى المتعلقة بالنظام العام والآداب.
كل ما ينص القانون على وجوب تدخلها فيه وما يأمر به القاضي المختص فيما يلوح له من حق يوجب أو يسوغ تدخلها فيه.
🔹️ثانياً: حالات التدخل الجوازي.
نصت المادة (10) من قانون إنشاء النيابة العامة على أنه يجوز للنيابة العامة أن تتدخل في الأحوال التالية:
1. المنازعات المتعلقة بالأسرة في كل ما لم يدخل تحت حكم المادة السابقة.
2. دعاوى ما يمتنع على القاضي وأعضاء النيابة نظرها ودعاوى مخاصمتهم.
3. عدم الاختصاص لانتفاء ولاية جهة القضاء.
4. كل حالة ينص القانون على جواز تدخلها فيها.
ومن خلال فقرات النصوص السابقة، يمكن ايجاز هذه الاختصاصات التي تعبر عن أهداف المشرع من هذه النصوص، والتي تتسق مع أهداف إنشاء النيابة العامة والمتمثلة بحماية الحق العام والنظام العام والقيام بدور النائب عن المجتمع وذلك بما يلي:
🔸️الهدف الأول: حماية الحق العام في القضايا الشخصية والمدنية والتجارية.
يعرف الحق العام بأنه حق المجتمع كله من المجرم وليس حق المجني عليه وحده، فهو الحق الذي تقتضيه الدولة لأن الجاني بارتكابه جنايته قد أخل باستقرار المجتمع كله وأمنه وسلامته. وعرفه آخرون من منظور شرعي بأنه كل حق يتساوى فيه البشر، ويشارك فيه بعضهم بعضاً من غير تفرقة ولا تمييز، ويتحمل كل واحد منهم واجب حمايته كل حسب طاقته.
وقد اشترطت الفقرة الثانية من المادة (9) سالفة الذكر تولد حق عام يكون مبرراً لممارسة النيابة العامة هذا التدخل أمام القضاء المدني. ومن أمثلته دعوى الفسخ والتفريق التي ترفعها الزوجة على زوجها بسبب الضرب المبرح أو السب أو القذف التي تعد من الأسباب القائمة على حق عام، أو التفريق بينهما كما لو كان بينهما قرابة تحرم الزواج، أو تزويج المرأة بغير رضاها، وكذا دعاوى الطاعة المرفوعة من الوالد على ولده العاق، ودعوى القسمة المبنية على أسباب استغلال أحد الورثة بأعيان التركة دون البقية وتعطيل منفعتهم فيما يخصهم، وكذلك دعاوى الحسبة، سواء كانت حقاً خالصاً لله تعالى أو كانت حقوقاً مختلطة فيها حق الله تعالى وحق العبد، ودعاوى الفسخ التي يكون أحد أطرافها غائباً أو مفقوداً، وغيرها.
🔸️الهدف الثاني: حماية النظام العام.
يعرف النظام العام بأنه القواعد التي وضعها الشارع لصالح الجماعة. وعرفه آخرون بأنه مجموع المصالح الأساسية للجماعة، أي مجموع الأسس والدعامات التي يقوم عليها بناء الجماعة وكيانها. والنظام العام يرتكز على عدة قواعد:
1. النظام الدستوري:
يعد النظام الدستوري المتمثل في نصوص الدستور والنظام الدستوري للبلاد من أركان وقواعد النظام العام، كون الحفاظ عليه يمثل حفظ النظام العام، والإخلال به إخلال بالنظام العام، ويستوي في ذلك النظام السياسي أو النظام الاقتصادي أو الأمن العام أو الصحة العامة أو السكينة العامة أو تجاوز أي من سلطات الدولة الثلاث المحددة اختصاصاتها في الدستور، ومن أمثلته الدعاوى أو الدفوع الدستورية.
2. النظام القانوني:
يعد النظام القانوني من النظام العام الذي أسندت حمايته إلى النيابة العامة. ويعد تجاوزه أو مخالفة نصوصه الآمرة تعدياً على النظام العام يستوجب تحريك الدعوى المدنية من قبل النيابة العامة. ومن أمثلته الطعون المتعلقة بمخالفة القانون أو الخطأ في تفسيره أو تأويله أو تطبيقه، وفقاً للفقرة (1) من المادة (9) من قانون النيابة العامة، وكذا الدعاوى المتعلقة بتنازع الاختصاص بين جهات القضاء، حيث إن مسائل الاختصاص المتعلقة بالاختصاص الزماني والنوعي في القضاء المدني وكذلك الاختصاص المكاني بالنسبة للقضاء الجنائي تعد من النظام العام المتعلق بالنظام القانوني، فقد كان تنصيب القانون للدعوى العامة الممثل في النيابة العامة بتحريك الدعوى المدنية بهدف حماية النظام العام.
3. الملكية العامة:
يشمل ذلك النزاعات المدنية المتعلقة بأموال الدولة سواء كانت عقارية أو منقولات. ويتم ذلك برفع الدعاوى ابتداءً أو طلب التدخل من قبل النيابة العامة أو التقرير من قبل القاضي بإدخال النيابة العامة حفاظاً على الأملاك العامة وفقاً لنص المادة (127) من قانون المرافعات.
4. المصلحة العامة:
وهذه الدعاوى هي التي تشمل دعاوى تقوم على أساس المساس أو الإضرار بالمصالح العامة وليس فيها جانب جنائي، ومن أمثلتها دعاوى المخاصمة، ودعاوى منع القضاة وأعضاء النيابة من نظر القضايا، كون المساس بمكانتهم مساساً بالمصلحة العامة، ومن أمثلته أيضاً دعاوى المنازعات المدنية بين أطراف أخرى يترتب على الحكم لأحدهما أضرار بالمصلحة العامة، الأمر الذي يستوجب تدخل النيابة العامة أو إدخالها حفاظاً وحمايةً للنظام العام.
🔸️الهدف الثالث: نيابة المجتمع بالدفاع عن فئاته الضعيفة للحفاظ على مصالحها.
ومن أمثلته رفع الدعاوى المتعلقة بالقصار، أو عديمي الأهلية أو ناقصيها أو التدخل فيها إن لم يكن لهم وصي أو ولي، وكذا الغائبين والمفقودين وفقاً لنص المادة (126) من قانون المرافعات.