#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪
عندما تصبح لدينا وقائع كافية ومنتجة وصحيحة نكون قد حصلنا على المادة الأساسية التي يعتبرها المستشار القانوني الحجر الأساس في تكوين الرأي القانوني الصحيح فيبدأ بالتعامل مع هذه الوقائع ليحللها إلى عناصرها المختلفة، وتحليل الواقعة يكون بالعودة بها إلى عناصرها المختلفة.
فإذا كانت الاستشارة مثلاً حول مدى مسؤولية شركة تأمين عن سرقة أثاث منزل، فلا بد من أن تكون السرقة قد حصلت فعلاً وان هناك بوليصة تأمين تلتزم بموجبها الشركة أن تغطي السرقة وان مدة البوليصة كانت سارية المفعول بتاريخ وقوع السرقة.
فالرأي القانوني السليم هو الذي يعطى بناء على ثبوت هذه العناصر لا على افتراضها أو افتراض بعضها، وتبسيط الواقعة لا يكون إلا إذا كانت معقدة أو مركبة، وتكون الواقعة بحاجة إلى تبسيط إذا كان لا يمكن الرجوع بها إلى عناصر بسهولة، كأن تكون الاستشارة المطلوبة مثلاً عن من هو المسؤول عن أضرار وقعت لسيارة أثناء حادث سير اشتركت فيه أكثر من سيارة فلا بد هنا من معرفة كيف حصل الحادث والاطلاع كذلك على الرسم الخاص بالحادث وتحديد المشاركين فيه، وذلك كله لمعرفة الوقائع ولمعرفة إلى من يتم نسبتها من المشاركين في الحادث.
وإذا تم تحليل الوقائع وتبسيط المركب والمعقد منها أصبح في مقدورنا القول إن الوقائع أصبحت محددة، أي أن تحديد الوقائع يكون من خلال تحليلها وتبسيطها.
يشترط في ما هو مطلوب أن يكون متعلقاً بالوقائع المعروضة مرتبطاً بها حتى يمكن الإجابة عليه (إبداء الرأي القانوني)، وغالباً لا تستطيع الجهة طالبة الاستشارة، تحديد السؤال فيكون هنا من مهمة المستشار افتراض السؤال في ضوء الوقائع المنتجة والكافية والصحيحة، أي أن المستشار يفترض نفسه مكان الجهة طالبة الرأي ويطرح على نفسه السؤال الذي كان على الجهة طالبة الرأي طرحه.
وفي بعض الأحيان قد تجتهد الجهة طالبة الرأي فتقدم هي الرأي القانوني للمستشار وتسأل عما إذا كان هو الرأي الصواب أم لا ولا يقتصر دور المستشار هنا بالإجابة بنعم أم بلا بل لا بد أن يحدد الأسباب التي دعته إلى الإجابة سواء بنعم أم بلا.
وقد يكون السؤال بسيطاً أو مركباً فيكون بسيطاً إذا كان منصباً على طلب حكم القانون في مسالة ما محددة ويكون مركباً إذا كان سؤالاً رئيسياً يتفرع عنه سؤال أو أسئلة فرعية.
مثال ذلك، أن يرد إلى المستشار سؤال عن مدى مسؤولية الشريك المتضامن في شركة التضامن تجاه دائني الشركة، حيث يتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر هو ما مدى إمكانية التنفيذ على أموال الشريك المتضامن الخاصة ومتى يمكن تنفيذها ؟؟
إن مسألة تحديد الحقل القانوني للوقائع سواء أكان عاماً أم خاصاً تحتاج إلى دراية ومعرفة من قبل المستشار القانوني، وتتطلب إلماماً بالنظام القانوني بكامله ولهيكلية هذا النظام وفي نفس الوقت مواكبة التشريعات الناظمة لمختلف العلاقات والتعديلات التي تطرأ عليها بين الحين والآخر كما تتطلب منه الانتباه إلى موقع القانون هل هو قانون عام أم قانون خاص.
بعد تحديد الوقائع والحقل القانوني نصل إلى كيفية الوصول إلى القاعدة القانونية (النص) التي تطبق على المسألة داخل الحقل القانوني المحدد والذي هو بالضرورة احد فروع القانون العام أو الخاص، وحتى يمكن تصوير عملية الرجوع إلى القواعد القانونية لتحديد القاعدة القانونية (النص) الذي يحكم المسألة موضوع طلب الرأي القانوني.
نفترض أن السؤال المطروح هو عن نزاع حول إخلاء عين مؤجرة فكيف يمكن الوصول إلى النص الذي يحكم هذه المسألة ؟ فلا بد هنا أن نتذكر أن عقد الإيجار من حيث الأساس هو من العقود التي نظم أحكامها القانون المدني وأن قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ذو علاقة بالموضوع أي أن هناك قانونين يتعلقان بالإيجار وأنه من أجل الوصول إلى النص القانوني الذي يحكم المسألة لا بد من أن تكون الوقائع المعروضة محددة لجهة تاريخ عقد الإيجار وسبب الإخلاء ليصار إلى اختيار أي من القانونين.
وإذا حصلنا على القوانين ذات العلاقة بموضوع طلب الرأي القانوني فإننا نكون قد وضعنا حجر الأساس الذي منه نصل إلى النص (القاعدة التي تحكم الموضوع) نبدأ بعدها بفحص هذه النصوص باحثين عن الخصوصية المطلوب الرأي فيها مراعين مبدأ الخاص والعام من جهة والنص السابق واللاحق من حيث تاريخ السريان من جهة أخرى فنقدم مثلاً نصوص قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، على نصوص القانون المدني، عملاً بمبدأ "الخاص يقيد العام" وإذا توصلنا إلى تحديد النص (القاعدة القانونية ذات العلاقة بالمسألة المطروحة إعمالاً للقواعد السابقة) أصبحنا أمام مرحلة كيفية تطبيق النص أو النصوص (القواعد القانونية) على الوقائع حيث لا يكفي أن نحدد الحقل القانوني أو القانون أو النص الذي يحكم الوقائع التي بين أيدينا لنقول إن هذا القانون أو هذا النص هو الواجب التطبيق على هذه الوقائع بل لا بد من إنجاز إجراءات عدة لنستوثق أن القانون المذكور أو النص المذكور هو الواجب التطبيق فعلاً على هذه الوقائع، فلا بد مثلاً من أن نعرف أولاً أن القانون أو النص الواجب التطبيق لا يزال ساري المفعول، فلم يعدل ولم يلغ بقانون أو نص لاحق من حيث زمان الصدور، فإذا كان القانون أو النص قد تم تعديله أو إلغاؤه بموجب قانون أو نص لاحق فإن هذا القانون أو النص الأخير هو الواجب التطبيق.
من المعروف أن القواعد القانونية لها صفة التجديد والعموم وهذا بمفهوم الاستشارة القانونية يجعل منها قالباً تقاس عليه الوقائع المختلفة فما انطبق عليها من الوقائع أخذ حكمها وما لم ينطبق عليها استبعد من التطبيق عليها، وكل قاعدة قانونية تتكون من عنصر أو عناصر وتحليلها يعني ردها إلى هذا العنصر أو هذه العناصر ويستوي في ذلك أن تكون القاعدة القانونية موضوعية أو إجرائية آمرة أم مكملة.
إن مهمة المستشار القانوني في التعامل مع النص هي تماماً كمهمة القاضي في التعامل مع النص حيث يحاول المستشار فهم النص وتفسيره ليخرج بعد تطبيق الوقائع على النص برأي قانوني. ويقوم القاضي بفهم النص وتفسيره وليطبقه على وقائع الدعوى المعروضة أمامه وهو بذلك إنما يحكم في الدعوى بناء على ما يراه (أي يعطي رأيه في الدعوى المعروضة عليه).
وإذا كان من المتعين على القاضي أن يقوم بحل ما يعرض عليه من منازعات فانه يلجأ إلى طرق التفسير المختلفة يستعين بها في الوصول إلى حكم النصوص الموجودة وإذا لم يتمكن عن طريق النصوص الموجودة من الوصول إلى حل للنزاع فانه يكون أمام حالة غير منصوص عليها وتبعاً لذلك يلجأ إلى حلها بالاستناد إلى أحكام الشريعة الإسلامية فان لم يوجد حكم بموجب العرف ويقدم العرف الخاص أو العرف المحلي على العرف العام وان لم يوجد عرف طبقت مبادئ وقواعد العدالة.
وكذلك هو المستشار القانوني الذي يتعين عليه أن يعطي رأياً في المسألة المعروضة عليه أن يقوم بما يقوم به القاضي على الوجه المتقدم.
وبما أن اللغة هي وسيلة التعبير عن الإرادة، وطالما أن إرادة المشرع تظهر من خلال مفردات اللغة وتعابيرها، فإن أول ما يجب أن يتبادر إلى الذهن عن محاولة فهم النص وتفسيره هو فهم المعنى اللغوي ثم الاصطلاحي لألفاظ النص وعباراته أي المعنى الذي تؤديه مباشرة ألفاظ اللغة وتعابيرها سواء كانت هذه المعاني حقيقية أم مجازية.
وقد تكون ألفاظ النص وتعابيره ذات دلالة واضحة ومباشرة على المعنى لا تحتمل أي لبس فتكون بصدد نص بسيط لا يحتاج إلى الجهد في الفهم أو التفسير.
فعندما ينص قانون العمل مثلاً في المادة (30) الفقرة(1) على أنه:
يعد عقد العمل الفردي المكتوب من ثلاث نسخ وتكون النسخة الأصلية للعامل ونسخة لصاحب العمل ونسخة لمكتب الوزارة المختص وتكون النسخ موقعة من طرفي العقد ، "وفي حالة عدم وجود عقد مكتوب على العامل أن يثبت حقوقه بجميع طرق الإثبات".
فإن المعنى المباشر المستفاد من هذا النص هو في حالة عدم وجود عقد مكتوب يستطيع العامل أن يثبت حقوقه بجميع طرق الإثبات.
وقد يكون النص غير واضح الدلالة على المعنى بصورة مباشرة فهنا لا بد من بذل الجهد لفهم معنى النص من دلالاته وعدم الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ والتعابير التي إذا وقفنا عندها أدت إلى معنى متناف مع العقل أو المنطق، ودلالة النص هنا هي ما يدل عليه النص لكنه لم يفصح به.
وقد يكون النص واضح الدلالة بشأن حالة أو حالات معينة ولكنه لا يشمل حالة أو حالات أخرى هي من باب أولى يمكن أن تستوعب فيه عن طريق القياس لا لاتحاد العلة كما في القياس العادي ولكن لأن العلة في هذه الحالة أو الحالات الأخيرة هي أوضح وبالتالي أوجب أعمالاً للنص من الحالات التي يشملها النص.
إن القواعد القانونية أشبه ما تكون بالقوالب وإن الرأي القانوني هو إفراغ للوقائع في قوالب القواعد القانونية .
وعليه يمكن أن نعتمد عند تطبيق القواعد القانونية على الوقائع مبادئ رياضية إلى حد ما إلا أن هذا لا يعني انه يجب أن نحدد سلفاً ما إذا كانت هذه القاعدة أو تلك هي الواجبة التطبيق.
بل إن ما نقول به يستلزم على الأقل أن نرشح قاعدة قانونية باعتبارها هي التي تنطبق على الوقائع وبعدها يأتي دورنا في إعمال قواعد الرياضة لنصل إلى نتيجة، هل تنطبق هذه القاعدة مثلاً على المسألة أم لا تنطبق ؟؟
ولتوضيح ما تقدم، نعطي مثالاً على نص المادة (528) من القانون التجاري. حيث تنص على أن يشتمل الشيك على البيانات الآتية :-
1- لفظ ( شيك ) مكتوباً في متن الصك وباللغة التي كتب بها.
2- تاريخ إنشاء الشيك ومكان إنشائه .
3- اسم من يلزمه الوفاء ( المسحوب عليه ) .
4- اسم من يجب الوفاء لأمره وفقاً لنص المادتين(531,533).
5- أمر غير معلق على شرط بوفاء مبلغ معين من النقود.
6- مكان الوفاء .
7- توقيع من انشأ الشيك ( الساحب ) وحيث يتبين من نص هذه المادة أن بيانات الشك الإلزامية الواجب توافرها حتى يعتبر السند شكاً هي:
1- لفظ شك وباللغة التي كتب بها ، 2- أمر غير معلق على شرط، 3- اسم المسحوب عليه، 4- مكان الوفاء، 5- تاريخ إنشاء الشك، 6- مكان إنشاء الشك، 7- توقيع الساحب . وبتطبيق الوقائع المتعلقة بأي طلب رأي بشأن الشك على قالب النص المشار إليه فإن تخلف أي بيان من البيانات المذكورة لا يعتبر السند شكاً عملاً بأحكام المادة 529/ التجاري.
حيث تنص الصك الخالي من أحد البيانات المذكورة في المادة السابقة لا يعتبر شيكاً إلا في الحالتين التاليتين:-
أ- إذا خلا الشيك من بيان مكان الإنشاء اعتبر منشأ في المكان المبين بجانب اسم الساحب.
ب- وإذا خلا من بيان مكان وفائه فالمكان المعين بجانب اسم المسحوب عليه يعتبر مكان وفائه إذا ذكرت عدة أمكنة بجانب اسم المسحوب عليه اعتبر الشيك مستحق الوفاء في أول مكان مبين وإذا خلا الشيك من هذه البيانات أو من أي بيان آخر اعتبر مستحق الوفاء في المكان الذي يقع فيه المحل الرئيسي للمسحوب عليه .
إذا خلص المستشار القانوني من تطبيق النصوص على الوقائع عن طريق إفراغ الوقائع في قوالب النصوص كان عليه أن يبلغ رأيه القانوني إلى الجهة التي طلبته.
وإبلاغ الرأي القانوني إلى من طلبه وان كان جائزاً من الناحية الشفوية إلا انه من المستحسن أن يكون كتابة، فالكتابة هي من سمات الرأي القانوني حتى يكون موثقاً لدى الجهة الطالبة، فيمكن الاعتماد عليه سواء في اتخاذ القرار أو في الإعداد لاتخاذ القرار أو لتقدير موقف أو لتقدير أمر أو لترتيب مسؤولية نتيجة إعطاء الاستشارة القانونية.
وحيث يقتضي أن تتضمن الاستشارة الخطية المحتويات الآتية:
1- الإشارة إلى رقم وتاريخ طلب الرأي القانوني.
2- ملخصاً للوقائع التي وردت والتي طلب الرأي القانوني على أساسها.
3- السؤال الذي انتهى به كتابة الرأي القانوني.
4- النصوص التي تم الرجوع إليها في إبداء الرأي القانوني.
5- الحيثيات التي تم الاستناد إليها في إبداء الرأي القانوني.
6- خلاصة الرأي القانوني باعتباره جواباً على السؤال أو الطلب.
ويجب أن تكون صياغة الرأي القانوني بعبارات بسيطة تتجنب الاصطلاحات القانونية المعقدة لأن من يتلقى الرأي القانوني ليس بالضرورة أن يكون ملماً أو عارفاً بالقانون.
ويجب أن يتيح الرأي القانوني لطالب الرأي بدائل ما أمكن إذا كانت الوقائع تحتمل ذلك والا فإن الجزم والقطع هو ما يريده طالب الرأي ويرتاح إليه.
ويجب أن يبقى الرأي القانوني عن وضع قواعد عامة لكل الحالات بل يقتصر على الحالة موضوع البحث كما أن من سمات الرأي القانوني السليم أن يتجه مباشرة إلى الموضوع دون مواربة فلا يكون الرأي القانوني متاهة يدخل فيها طالب الرأي ويخرج منها بدون أية نتيجة.
وإذا كان الرأي القانوني يستند إلى الاجتهادات في تفسير النصوص فيجب أن يشار إلى ذلك لأن هذا النوع من الرأي هو يعتمد على رأي آخر وقد يتغير الرأي في الاجتهاد ما بين وقت إعطاء الرأي القانوني من قبل المستشار وفصل القضاء في نزاع نشأ في الخصوصية التي كان طلب الرأي فيها .
مع الإشارة أيضاً إلى أن عبارات «لا نرى ما يمنع قانونا، أو لا مانع لدينا من...» هي عبارات عامة لا يجوز أن تكون أساساً لرأي قانوني ولا أن تتضمنها صيغة الرأي القانوني.
#اعرف_حقك_وقانونك⚖️🇾🇪